تحكي قصة فلسفية قديمة عن رجل ذهب لزيارة حكيم شرقي طلبًا للإرشاد الروحي، لكنه بدلًا من أن يستمع إلى إرشادات المعلم أخذ يتحدث عن أفكاره، فقام الحكيم بعد قليل بتقديم كوب من الشاي له، فملأ قدح الزائر، ثم واصل صب الشاي فيه، بحيث انسكب على الطاولة، فاستغرب الزائر؛ لأن الكوب مليء ولا يحتمل المزيد من الشاي، ولا شيء مما سيصبه سيبقى داخل الكوب، وكشف للمعلم عن دهشته، فضحك واعترف له بأن المقصود من الحركة هو إيصال رسالة فورية للزائر بأنه ممتلئ ومتكدس بأفكاره وآرائه الخاصة لدرجة لا يستطيع معها تعلّم أي شيء إلا بعد إفراغ الكوب تمامًا، ويحدث الأمر نفسه معنا حين تكون حياتنا مليئة بدرجة تزيد عن اللزوم، فنحن لا نمتلك أي مساحة للخبرات الجديدة، وتفوتنا فرص تطوير ذواتنا وتعميق علاقاتنا، ويلزمنا أن نتبنى أسلوبًا أبسط لحياتنا للتخفيف من التوتر والتشتت في نفوسنا، فعن طريق التخلص من الأمور الزائدة في جداول أعمالنا، وعقولنا، ودواليب المنزل والأدراج، سنفرِّغ أقداحنا؛ مما سيمنحنا مساحة لا نهائية للحياة، والحب والأمل والأحلام، وكميات وفيرة من الهدوء، وبمجرد أن تخطو قليلًا خارج الحالة الراهنة من التكديس والاستهلاك سيغمرك شعور رائع بالسكينة، وحين تتجاهل الإعلانات وتقلل استهلاكك للقدر المعقول، ستتخلص حياتك من الكثير من المقلقات، وستتنفس المزيد من نسيم الحرية؛ لتحررك من الفوضى والديون وسباق الجرذان، فكل شيء تخرجه من حياتك سيشعرك بأن ثمة ثقلًا انزاح من فوق كتفيك، وسيصبح لديك عدد أقل من المشاوير للقيام به، وفواتير أقل، وأشياء أقل لصيانتها أو تنظيفها، وحين نتوقف عن مطاردة المؤثرين والمشاهير في وسائل التواصل، ونكف عن مراقبة جيراننا والتطلع لما عندهم، سنوفر الكثير من الوقت والطاقة لقضائه في مساعٍ أكثر إشباعًا في دائرة تركيزنا، مثل تطوير مهاراتنا والمشاركات العائلية والأعمال التطوعية الإنسانية، والمزيد من الفرص الرائعة لاكتشاف الذات والتأمل في معنى حياتنا، فعندما نتماهى كثيرًا مع الماركات التجارية، ونعبّر عن أنفسنا بالأغراض المادية، فإننا نفقد الإحساس بماهيتنا، ونستخدم السلع الاستهلاكية في التعريف بأنفسنا ورسم صور معينة للقبول الاجتماعي، أي أننا بتعبير أوضح نشتري شخصية نعرضها للعالم الخارجي، ونصبح شديدي الانشغال بالتعامل مع الأشياء، والركض جيئة وذهابًا، وإهدار الأموال والطاقات لدرجة أننا لا نكاد نجد وقتًا للتوقف واستكشاف ما يهمّنا حقًّا. لكننا عند اتباع أسلوب الحياة البسيطة، نتخفف من حمل الأشياء الزائدة ونستكشف ذواتنا الحقيقية، بإتاحتنا المزيد من الوقت للممارسات التأملية والقراءة المتعمّقة فيما نكون وما يجعلنا سعداء حقًّا، ونخرج من شرنقة النزعة الاستهلاكية، ونفرد أجنحتنا كفراشات مبدعة، ونعيد تعريف ذواتنا عن طريق ما نفعله، والكيفية التي نفكر بها، والأشخاص الذين نحبهم، وليس الأشياء التي نشتريها، ومن الممكن أن يجعلك ذلك التغيير تشعر بالسباحة ضد التيار، فستواجه أشخاصًا يخبرونك بصعوبة التنفيذ واستحالة العيش بدون النمط القديم، فلا تصدقهم؛ لأننا كلنا نعلم بأن جودة الحياة لا علاقة لها بالاستهلاك، ولا تقلق، فلن تكون وحدك، وستجذب العديد من الأرواح المتقاربة.