أبارك للسيدات والسادة القراء بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، وعندما أحاول استحضار شيء عن هذا الشهر المبارك، أجد أن هناك علاقة بين معظم تلك الذكريات بالسياسة من قريب أو من بعيد. ففي مرحلة الطفولة، وكنتُ تلميذًا في الصف الثالث أو الرابع الابتدائي، أتذكّر أنه حلّ علينا شهر رمضان المبارك، وفي تلك السنوات كان رمضان في العادة يأتي عند نهاية العام الدراسي المكوّن من مجموعة فصول، كل فصلٍ ينتهي باختبار في كل المواد، ثم تُجمع الدرجات للفصول كلها مع درجة الاختبار النهائي التي تُحدّد نجاح أو إكمال الطالب، أو حتى رسوبه في المادة بما يعني أنه قد يُعيد العام الدراسي كاملًا.
في ذلك العام أتذكّر أن رمضان حلّ في فصلٍ باردٍ نوعًا ما، اختفت فيه الرطوبة، واستعان الناس باستخدام الدفايات لمقاومة درجات الحرارة المنخفضة. ذلك العام كان العام الذي نشبت فيه الحرب ضد الدولة الصهيونية الإسرائيلية، والتي أصبحت تُعرف بحرب رمضان أو حرب أكتوبر، وعلى الرغم من صغر سِنّي وعدم فهم ما يدور حولي، أدركت أن هناك شيئًا غير طبيعي يدور في هذا العالم، ولفت انتباهي لكل ذلك درجة الارتباك والحذر التي سرَت بين الناس، حتى بدأ الناس يهجرون الشوارع في وقتٍ مبكر من أول الليل، وأصبح من المألوف أن يكون الراديو قريبًا من الجميع، خاصةً كبار السن والآباء بشكلٍ خاص.
أذكر أنني استمعتُ لأول مرة في حياتي لكلام مثل العرب، إسرائيل، الحرب، البترول، أمريكا، وأمريكا هذه لم تكن غريبة عن أفهام الناس، ربما الصغار والكبار؛ لأن برامج التليفزيون المحدودة حينها كانت عبارة عن برامج وأفلام ومسلسلات، وحتى برامج الأطفال، وما يسمى بالكرتون، كل ذلك كان بالأبيض والأسود ومدبلجًا للغة العربية الفصحى في تلك السِّنّ المبكرة، كنا كصغار نعرف الأسد كلارنس كأحد شخصيات المسلسلات الأمريكية، وكنا نعرف اسم فيلم هزلي كرتوني بشخصياته وأبطاله مسلسل لوريل وهاردي. لكن إسرائيل كانت اسمًا جديدًا، وكلمة حرب كانت تجعلنا نحن الصغار ننظر للكبار وكأننا نقول كيف سيتصرفون، وكيف سيحمون أنفسهم ويحموننا معهم، كانت الكلمات الغريبة والجديدة أكثر من قدرة الصغار على تخيّل معانيها. وأذكر أن أحاديث الكبار عن احتمال تعرّض المطارات والمنشآت النفطية للصواريخ والقنابل تصيبنا بالرعب، وكان يسرح بنا الخيال حتى بعد أن تنتهي أحاديث الكبار عن الحرب، حيث نتصوّر أن مدرستنا ستتحطم وأن ملاعب الكرة سيتم تخريبها، والشوارع ستدمّر، وخزانات المياه العالية ستتعرض للتدمير.
@salemalyami