مازالت ذكريات الأزمة المالية العالمية تحوم في الأذهان، بعد الصدمة التي عاشتها الأسواق المالية نتيجة أسوأ اضطرابات تعرض لها القطاع المصرفي منذ عام 2008.
حيث أسفر إفلاس بنك سيليكون فالي والمشكلات التي يواجهها بنك كريدي سويس عن اضطراب النشاط التجاري في مختلف الأسواق، وفي مقدمتها أسواق السندات التي تمثل حلقة الوصل والربط بين مختلف مكونات السوق.
وكشف تقرير حديث لساكسو بنك، أن استجابة الأسواق قد تباينت لهذه التطورات خلال الشهر الجاري، حيث ارتفعت قيمة المعادن الثمينة مستفيدة من انهيار العائدات وزيادة الطلب على الملاذات الآمنة، كما تراجعت تداولات قطاع الطاقة، في حين تأثرت قوة التحركات في كلا الاتجاهين بحجم المراكز المالية للمضاربين إلى حد ملموس.
وأضاف التقرير أن التصحيح الكبير في سوقي الذهب والفضة خلال شهر فبراير ساهم في الحد من التوقعات المتفائلة للمضاربين.
الذهب والفضة
ارتفعت تداولات سوق المعادن الثمينة بأكثر من 9% خلال الشهر الجاري، مع تعافي الذهب والفضة بعد عملية التصحيح في فبراير، ويبدو الارتفاع الأخير منطقياً تماماً ويعزز آفاق استمرار زيادة الأسعار في الأشهر المقبلة، لا سيما أن السوق نادراً ما يشهد هذا الدعم الكبير من جهات عديدة في الوقت ذاته.
وأسهمت عوامل عديدة في دعم الذهب والفضة المعروفان بتأثرهما بالدولار والعائدات، بما في ذلك تراجع الدولار بنسبة 3.5% وانهيار عائدات السندات الحكومية الأمريكية المستحقة بعد عامين بواقع 110 نقطة أساس، إضافةً إلى التغيير الذي طال توقعات أموال الاحتياطي الفدرالي من زيادة إضافية بواقع 100 نقطة أساس، التي تم إقرار 25 نقطة أساس منها الأسبوع الماضي، إلى توقعات بخفض أسعار الفائدة بواقع 150 نقطة أساس قبل شهر مايو من العام المقبل.
وحقق الذهب عودة سريعة إلى مستوى الـ 2000 دولار أمريكي للأونصة لأول مرة منذ عام كامل، مسجلاً مستويات قياسية مقابل الدولار الأسترالي ومستويات شبه قياسية مقابل اليورو.
النفط الخام يتراجع
كان قطاع الطاقة الأكثر تأثرًا بالأزمة المصرفية التي عصفت بالأسواق المالية خلال الشهر الجاري، لتتراجع تداولات خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت بأكثر من 10%، بالتزامن مع خسارة الغاز الطبيعي لحوالي 20% من قيمته.
وجاءت الاستجابة الكبيرة للنفط الخام تجاه أزمة السيولة، متأثرةً إلى حد كبير بالتطورات الحاصلة على مدى الأسابيع السابقة لانهيار بنك سيليكون فالي. وشهدت تلك الفترة أشهراً عديدة من التداولات محدودة النطاق، التي أسفرت عن تراجع معدل التقلبات ورفعت معدلات الإقبال على المخاطر.
وتجاوز النفط الخام مستوى الدعم وأفسح مجالاً كبيراً أمام عملية البيع، وذلك من حالات التصفية طويلة الأجل والمحاولات الجديدة للبيع على المكشوف. وباع المضاربون خلال الأسبوع المنتهي في 14 مارس حوالي 117 ألف عقد آجل للنفط الخام، أي ما يعادل 117 مليون برميل، مما يمثل واحداً من أكثر ثلاث حالات تراجع أسبوعية شهدتها الأسواق من عام 2017.
ولم تتلاشى احتمالات ارتفاع أسعار النفط الخام حتى الآن، إذ أشار تقرير سوق النفط الصادر مؤخراً عن الوكالة الدولية للطاقة، إلى أنّ أسواق النفط تعاني حالياً من تفوق العرض على الطلب، الذي ما زال ضعيفاً، إلى جانب ارتفاع المخزونات إلى أعلى مستوياتها منذ 18 شهراً.
واستمر التراجع الداعم للأسعار في خام برنت طوال فترة التصفية في شهر مارس، في حين اتسعت هوامش أرباح التكرير، ما يؤكد قدرة أحوال السوق على تقديم الدعم الأساسي اللازم في حال الحفاظ عليها.
الغاز الطبيعي تحت الضغط
تعرضت أسعار الغاز الطبيعي للكثير من الضغوط مع بداية الفترة الانتقالية بين المواسم، حيث استمر تراجع أسعار الغاز الطبيعي، أحد أهم مصادر الطاقة في العالم.
ويتركز التراجع في الولايات المتحدة، حيث انخفضت أسعار غاز هنري هوب الطبيعي إلى أدنى مستوياتها منذ 30 شهراً عند حوالي 2 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مع تراجع بحوالي 80% عن مستوى الذروة عند 10 دولارات المسجلة في شهر أغسطس الماضي.
وأسهمت عوامل عديدة، مثل موسم الشتاء المعتدل وقوة الإنتاج التي تجاوزت 100 مليار قدم مكعبة في معظم الأيام لغاية الآن، في زيادة مستويات المخزون إلى 1,900 تريليون قدم مكعبة، مما يشكل زيادة بنسبة 22.7% فوق المتوسط طويل الأجل.
ومن جانبها، شهدت أوروبا استقرار عقود الغاز في المركز الهولندي تي تي إف ضمن نطاق 40 إلى 50 يورو لكل ميغاواط ساعي، ولا سيما مع مرور موسم الشتاء في القارة دون أن تشهد أي حالات نقص بالرغم من الانخفاض الحاد في الإمدادات الواردة من روسيا. ولا تزال مواقع تخزين الغاز مليئة بنسبة 55% مع بقاء أيام قليلة على بدء موسم الضخ، مما يمثل زيادة ملحوظة عن نسبة 25% المسجلة العام الماضي و29% لعام 2021.
ويستمر تداول عقود الغاز الآجلة المقرر تسليمها خلال فترة الشتاء بين أكتوبر 2023 ومارس 2024 في نطاق 50 يورو لكل ميجاواط ساعي، مما يمثل ارتفاعاً ملحوظاً عن مستوياتها المسجلة خلال الأعوام القليلة الماضية، مع استمرار الحاجة لمبادرات خفض إنتاج الغاز الطبيعي المسال والغاز.