@SaudAlgosaibi
ربما لم يحالفني الزمان أن أتحدث عن الوالد عبدالعزيز القصيبي، فمن الصعب أن يتحدث المرء عن أهله وذويه وكما يقال بالأمثال الشهادة مجروحة لا سيما إن كان الشخص المعني والده، إلا أنه عندما يأتي شخص متميز ويترك بصمة بحياة الناس وذكرى حسنة فشهادة العصر دومًا ما تكون مطلوبة ومن أقرب المقربين. هذا الأسبوع عرضت حلقة ببرنامج الراحل عنه بقناة روتانا خليجية، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه، جعلتنا نتذكر حضوره ومدرسته، عرضت بها القناة عددا من الشخصيات المعاصرة له، ذاكرة بعض مناقبه والقصص بحياته. وأقل ما يمكن أن يقال إنه رجل فاق عصره أعطى الكثير لوطنه ومجتمعه ولم يبخل أو يقتصد، أحب الخير والعطاء جعلها الله في ميزان حسناته، ورغم عصاميته ونجاحه في قطاع الأعمال إلا أنه كان ينظر إلى المال على أنه هبة من الله «عز وجل»؛ لإسعاد الآخرين، فلم يكن ينتظر شكرا أو حمدا من أحد فهو يعده واجبا. وهي طيبة النفس وممن جعلوا في أموالهم حقا للسائل والمحروم. وجمع المال كما مع التجارة بالنسبة له ليست غاية وإنما وسيلة. كما أن من قواعده عدم الخيلاء والتباهي بأي نعمة أنعم الله بها عليه. فهي من الله والله يجب أن يُحمد ويشكر، لا تلك الوسيلة أو الأداة، ولد عبدالعزيز القصيبي في مدينة الجبيل في أوائل العشرينيات الميلادية. حينها كان اللؤلؤ وتجارته في أوج عصرها وكانت الجبيل أحد أهم مراكزه في الخليج العربي. عمل والده حمد بن أحمد القصيبي مع إخوانه محمد وإبراهيم في الطواشة وهي تمويل سفن اللؤلؤ بالأغذية وفي المحاصيل الزراعية، حيث كانت لهم مزرعة بها العديد من الآبار عُرفت بطوي الشلب كما جاءت للإخوة مجتمعين صورة وهم يزنون اللؤلؤ صوّرتها لهم البعثة الأمريكية التي قدمت لاكتشاف النفط. حضر «رحمه الله» وهو صغير بالجبيل تهديد جيش الإخوان لها ومن تحصين بئر طوية عام 1928، بعد انهيار تجارة اللؤلؤ رحل أعمامه من الجبيل إلى الأحساء، بينما اختار والده مدينة الخبر بعد تأسيسها كمكان عمل وإقامة، وعمل عبدالعزيز القصيبي بجمرك فرضة الخبر كأمين صندوق وكاتب حسابات مشاركا والده مع إخوته أحمد وسليمان في متجر والدهم مستوردين البضائع المختلفة من البحرين. ثم توسعت تجارتهم شيئا فشيئا وبتوسيع شركة أرامكو أعمالها لتشمل العديد من النشاطات الاقتصادية، ومن القصص التي كان دوما يرويها أنه حضر مناسبة اجتماعية في دارين للشيخ محمد عبدالوهاب الفيحاني، حيث كان أحد المدعوين مع والده لمناسبة زواج. وكان طيلة حياته «رحمه الله» يزور دارين كل عام بأول جمعة بشهر رمضان الفضيل ويقف بسيارته بجانب قلعة الفيحاني ليذكر تلك الدعوة وعدد المراكب التي قدمت من البحرين لتلك المناسبة، وكانت تلك الزيارة برمضان من قبيل الوفاء الذي كان دوما يتحدث عنه طيلة حياته. ومن سيرته أنه لا يكاد يمضي أسبوع واحد إلا أن يأتي بذكر سعد بن حسن القصيبي بالأحساء وعن خصاله بالكرم وعدم رد المحتاج والسائل وعن عبدالرحمن بن شعوان بالخبر بأمانته ونزاهته ومن اتساع أفقه، فقد كانوا بالنسبة له القدوة الحسنة التي يجب أن تتبع ومحط ضرب الأمثال، ومن قصص وفائه أن ظل يزور رئيسه بالعمل بجدة ولم ينقطع، وكذلك زيارة أولاده بعد وفاته. كذلك الأمر بأصدقاء والده بالجبيل حيث سكن العديد منهم مدينة الدمام وكان يزورهم باستمرار بلا انقطاع مجدولًا برامجه لتأتي في نفس الوقت من العام من دقته وحرصه، ومن مناقبه أن أهدى منزل والده بالجبيل لمن كانوا مؤجرين له بعد أن طلبوا شراءه وذلك لمحافظتهم عليه طيلة سنين طوال ولوفائهم بعهدهم. ومن مناقبه أنه أعطى شيكا مفتوحا بعد أن طلب منه أعيان وشيوخ إحدى قبائل المنطقة الدعم المالي لوقف قصاص أحدهم. كما كان يستعين به المسؤولون كمستشار لحل القضايا الشائكة التي ترد لهم وكان يمضي وقتا طويلا مجتهدا لتقريب الآراء وتقديم الحلول. كذلك من مناقبه أنه كان ممثلا عن الأهالي لأول لجنة عمالية على مستوى المملكة والتي تطورت لتصبح الضمان الاجتماعي. كما كان عضوا في المجلس البلدي لمدينة الخبر بالستينيات والسبعينيات الميلادية، كذلك عضو مجلس إدارة في جمعية البر بالمنطقة الشرقية، لقد كان «رحمه الله» واصلا للجميع حكيما بأموره، حيث كانت الأمثلة بالنسبة له هي المقياس والطريق الذي دومًا يسلكه، وفي كل مناسبة أو حدث يذكر مثلا أو حتى إن سألته بمسألة ولو تجارية يراد بها حل أو جواب زودك بحكمة، أحبه الجميع وذكره الجميع بالخير وحب العطاء، رحمه الله تعالى وأسكنه جنانه.