ساقية الحجيج وراعية العلوم وصاحبة اليد البيضاء، ألقاب للأميرة زبيدة بنت جعفر، زوجة الخليفة هارون الرشيد، خلال حياتها لما كان لها من باع طويل في فعل الخير.
وغير ذلك قد أُثر عن الأميرة زبيدة أنها سيدة من ذوات العقل والرأي، فجمعت الفصاحة والبلاغة ومزجتهما بحسن الخلق، وهو ما بان جليًا في سيرتها التي امتلأت بالمكارم منذ نشأتها وحتى وفاتها.
سليلة الملوك
ولدت الأميرة زبيدة بنت جعفر عام 145 هـ، في بيت مؤسس الدولة العباسية، جدها أبو الجعفر المنصور، فاكتسبت بذلك شأنًا منذ ولادتها.
ونشأت مُحبة للعلم والأدب وكذلك فعل الخير، ثم تزوجت من هارون الرشيد عام 165 هـ وأنجبت له ولده الأمين الذي سيكون خليفة للمسلمين فيما بعد.
وإن عاشت الأميرة زبيدة في بيوت الملوك بحكم نشأتها، فإن شأنها الكبير لم ينبع من حسبها ونسبها، فقد صنعت مجدها الخاص في الثقافة والعلم والسياسة، وكانت رائدة في مجال البناء، ويشهد على ذلك ما خلفته من أعمال.
زبيدة وسقاية الحجيج
في إحدى رحلات الأميرة زبيدة للحج، سنة 186 هـ وكان عامًا شديد الجفاف، لاحظت مدى معاناة حجاج بيت الله في الحصول على مياه للشرب، مع ندرته، حتى أن وعاء الماء الواحد كان يباع بألف دينار فرقت للوضع الصعب وأمرت بإصلاحه.
يقول المؤرخ أبو الفرج بن الجوزي، إن زبيدة أمرت المهندسين بدراسة عاجلة لجريان الماء إلى مكة المكرمة، فأشاروا عليها بصعوبة الأمر، إذ يحتاج لحفر قنوات بين السفوح وتحت الصخور مسافة لا تقل عن 10 أميال، وقال لها وكيلها "يلزمك نفقة كثيرة" فأمرته بتنفيذ المشروع وإن كلفت ضربة الفأس دينارًا.
وتنقل صفحة الأزهر الشريف عن ابن الجوزي أن خازن المال أحضر أكفأ المهندسين ووصلوا إلى منابع الماء في جبال الطائف بأقصى وادي نعمان، شرقي مكة، فأسالت الماء عشرة أميال من الجبال، ومن تحت الصخور ومهدت الطريق للماء في كل سهل وجبل في طريق الحجيج، حتى أوصلته لبيت الله الحرام، وعرفت العين فيما بعد وحتى الآن باسم عين زبيدة.
#صحيفة_اليوم | #وقت_فراغ#عين_زبيدة تسقي #الحجاج منذ #العصر_العباسيhttps://t.co/8YLEf88c7E pic.twitter.com/t1lcbPNgAH— صحيفة اليوم (@alyaum) August 4, 2020
راعية العلم والأدب
كانت زبيدة محبة للعلوم والفنون والثقافة، راعية لهم، كما كانت تقدر العلماء والشعراء والأدباء، وأُثر عنها إنفاقها المبالغ الكثيرة من المال لتحويل بغداد إلى عاصمة علوم وثقافة تجذب رموز العلوم المختلفة.
يورد د. أسامة الأزهري، أستاذ أصول الدين بالأزهر الشريف، أن زبيدة بنت جعفر كانت تستقدم إلى بغداد كل مشهور بالعلم والأدب والطب من مختلف الآفاق، وكانت تبذل الأموال بسخاء هائل.
ولما عرف عنها من رجاحة عقل وسعة اطلاع، اتخذها زوجها، الخليفة هارون الرشيد، مستشارة خاصة له، يسمع لرأيها في أمره.
رحيل صاحبة اليد البيضاء
عاشت الأميرة زبيدة بنت جعفر حياة مليئة بالعمل والنشاط في الأعمال الخيرية، فبنت خلالها العديد من الآبار والمساجد والمرافق والمنازل وجعلتها للنفع العام خدمة للمسلمين.
وبعد وفاة زوجها، انتقلت الأميرة زبيدة للحياة مع ابنها الخليفة المأمون، وظلت معه 32 عامًا حتى وافتها المنية ببغداد في جمادى الأولى 216هـ، بعد أن تركت إرثًا يحكي تاريخها ويضعها بين عظماء المسلمين.