مكونات صغيرة ودقيقة للغاية من السيلكون قد لا تتعدي بعض المللي مترات، ستكون هي الحرب الجديدة التي يتنازع عليها بعد النفط، لأنها تدخل في معظم الصناعات المتطورة، مثل الهواتف والحواسب والسيارات وغيرها، وتشكل أساس الدائرة التي تمنحها قدراتها الفائقة، ألا وهي الرقائق الإلكترونية.
وباتت الرقائق الالكترونية العصب الحيوي لصناعات متعددة، فمن دونها لا شيء يعمل، بدءاً بالأجهزة الكهربائية والهواتف المحمولة مروراً بمراكز البيانات والحواسيب وأجهزة الانتاج في المعامل، وصولاً إلى أنظمة التسلح والطائرات والصواريخ الحربية بما في ذلك الأسلحة النووية.
وبالتالي فإن أي دولة تتطلع إلى لعب دور حاسم في المستقبل الرقمي للعالم، عليها أن تسيطر على جزء كبير من صناعة الرقائق العالمية، التي باتت صناعة حاسمة في كل جوانب الوجود البشري.
430 مليار دولار حجم السوق
ويبلغ حجم سوق الرقائق الإلكترونية حول العالم، نحو 430 مليار دولار، تتوزع بين تايوان، وكوريا الجنوبية، والصين، والولايات المتحدة الأميركية واليابان.
وارتفع انتاج تايوان لتبلغ 60% من سوق الرقائق في العالم، وهي تقوم ببيع 90% من هذا الانتاج إلى الولايات المتحدة، في حين تستهلك الصين الجزء الأكبر المتبقي من الإنتاج العالمي للرقائق الالكترونية، فهي تعمد لشراء ما أتيح لها من رقائق خصوصاً بعد التصدي الأميركي لها في هذا المجال.
وعادة ما يكون النزاع بين أمريكا والصين في هذا المجال، حتي صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن قائلًا"نحن من اخترعها وسنستردها" وهو ما يدل على النظرة الأميركية لمسار صناعة أشباه الموصلات خلال السنوات المقبلة.
أمريكا تستحوذ على 10% فقط من الانتاج العالمي
وبالرغم من أن أمريكا تعتقد أنها هي من اخترعت الرقائق الإلكترونية، بفضل برنامجها للفضاء، إذ كانت تصنع 40% من إجمالي إنتاج الرقائق في العالم على مدى 30 عاماً، إلا أنها اليوم لاتصنع سوى 10% فقط من الإنتاج العالمي للرقائق الإلكترونية، لتنتقل هذه الصناعة إلى دول شرق آسيا، بفعل انخفاض تكاليف الإنتاج والتشغيل هناك.
ولكن تسعى أمريكا جاهدة استرداد الصدارة في صناعة الرقائق من الصين، حتى تضغطت على بعض شركائها، ومنهم اليابان وهولندا، لتشديد قيود الصادرات إلى الصين من المعدات المستخدمة في صناعة أشباه الموصلات، كما وقع بايدن في أغسطس مشروع قانون لتقديم منح بقيمة 52.7 مليار دولار لإنتاج وأبحاث أشباه الموصلات الأميركية بالإضافة إلى ائتمان ضريبي لمصانع الرقائق تقدر قيمته بنحو 24 مليار دولار.
خطة الصين
وبدأت الولايات المتحدة هذه الحرب بعدما أحست بالخطر عندما استحوذت الصين على أكثر من 50% من حجم إنتاج أشباه الموصلات في العالم في عام 2018 وهو ما يمثل نحو 231 مليار دولار من حجم الإنتاج العالمي طبقًا لتقديرات عام 2018، ولكن بعد القيود الأمريكية تعمل بكين على إعداد حزمة دعم تزيد قيمتها على تريليون يوان أو 143 مليار دولار من أجل تعزيز صناعة أشباه الموصلات المحلية، في خطوة كبيرة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من الرقائق ومواجهة التحركات الأميركية التي تهدف إلى إبطاء تقدمها التكنولوجي.
كوريا الجنوبية تستثمر 230 مليار دولار
ومؤخرًا دخلت كورويا الجنوبية هذه الحرب، حيث أعلنت شركة "سامسونج إلكترونيكس"، أكبر مُصنع لرقائق الذاكرة والهواتف الذكية وأجهزة التلفزيون في العالم، عن نيتها استثمار نحو 300 تريليون وون أي 230.8 مليار دولار في مجال الرقائق على مدى 20 عاما، عن طريق تشييد خمسة مصانع للرقائق، وتقول الحكومة إن المجمع سيكون الأكبر في العالم.
وتنتظر كورويا جذب نحو 150 من شركات تصنيع المواد والمكونات والمعدات وصناعة الرقائق وشركات البحث والتطوير العاملة في مجال أشباه الموصلات وفقا لما قالته وزارة الصناعة الكورية.
وتهدف الحكومة إلى ربط منشآت الرقائق في المنطقة من سامسونج إلى شركات أخرى لخلق "تكتل ضخم من أشباه الموصلات". ويقول الخبراء إن الفكرة هي ربط أجزاء مختلفة من سلسلة توريد أشباه الموصلات من تصميم الرقائق إلى تصنيعها.