تزيد المظاهر الاحتفالية في شهر رمضان، ويُكثر المسلمون من إنارة المساجد، فتتصل الأنوار بين مآذن ومنارات المساجد والجوامع وتُضاء المصابيح والفوانيس مما يُدهش الناظر.
ويعد تطوير وتصميم المساجد أحد أهم المشاريع التي تبرز التراث الحضاري للمملكة، ونقلة مهمة في العناية بالموروث الثقافي، وفي لقائنا مع المهندس المعماري د.محسن القرني رئيس مجلس إدارة شعبة عمارة المساجد في الجمعية السعودية لعلوم العمران، أخبرنا بالكثير.
ما أهمية تطوير المساجد التاريخية؟
لا شك أن تطوير المساجد التاريخية يعد أمرًا هاما في المحافظة على معالم ومواقع التراث العمراني الوطني، إذ تمثل المساجد التاريخية أحد أبرز عناصر البعد الحضاري وأنماط التراث العمراني الوطني بالمملكة التي ينبغي حفظها وحمايتها من الإندثار أو الزوال، نظرا لرمزيتها ومكانتها الرفيعة في ديننا الإسلامي الحنيف، إضافة إلى كونها دار للعبادة، فتمثل مقصدًا هامًا لاكتساب العلوم والالتقاء بين المسلمين.
كما أن المحافظة على المساجد التاريخية وترميمها وإعادة تطويرها يساهم بشكل فعال في تطوير أواسط المدن التاريخية والقرى والبلدات التراثية، فعندما يعاد ترميم تلك المساجد وتأهيلها للعبادة وتطوير البيئة المحيطة بها فان ذلك سيشجع على تطوير المواقع التاريخية والتراثية وإعادة الحياة لها خصوصا المهجورة منها.
كيف نعمل على إبراز الأبعاد الحضارية والجمالية في المساجد التاريخية؟
يحدث ذلك من خلال عدة أساليب منها المحافظة على هوية المساجد المعمارية، واستخدام مواد البناء المحلية التي بني بها المسجد التاريخي في عمليات الترميم والتطوير، وإضافة العناصر المطلوبة لإبراز جماليات المساجد ومنها استخدام الإنارة الموجهة للعناصر المميزة في المسجد مثل المنارة.
ويجري إبراز الأبعاد الحضارية والجمالية للمساجد التاريخية من خلال الوسائل الإعلامية مثل البرامج التلفزيونية وإعداد الأفلام القصيرة وتقديمها من خلال قنوات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، مثل ما يحدث هذا الشهر من بث للتعريف بالمساجد التاريخية المدرجة في مشروع سمو الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية، إضافة الى اللقاءات الصحفية والمحاضرات وورش العمل.
#نشرة_الظهيرة | أصحاب السمو الملكي أمراء المناطق: مشروع #ولي_العهد لتطوير المساجد التاريخية يجسد اهتمام القيادة بخدمة الإسلام وعمارة بيوت الله. #ولي_العهد_يجدد_مساجد_تاريخية #قناة_السعودية pic.twitter.com/D3lYVEKC59— قناة السعودية (@saudiatv) July 13, 2022
هل تعتبر المساجد أحد مظاهر الحضارة التي ميزت التاريخ الإسلامي؟
بالتأكيد تعد المساجد بصفة عامة والمساجد التاريخية بصفة خاصة من العناصر والمظاهر التي تميز الحضارة والمدن الإسلامية، فالهوية المعمارية وتصميم المساجد بمناراتها المرتفعة وتوسط مواقعها في المدن والقرى يبرز هويتها. هذا بالإضافة إلى تأثير المساجد في تخطيط المدن التي منها وإليها غالبا تنطلق الطرق والممرات وحولها توجد ساحات التجمع ومبنى الإمارة.
ومن يتتبع تطور عمارة المساجد عبر التاريخ بدءا من عمارة المسجد النبوي الشريف وما تبع ذلك من مساجد تاريخية بُنيت في العصور الإسلامية التالية وصولًا إلى عصرنا الراهن تتضح له مظاهر الحضارة ونوعية العمارة التي ميزت التاريخ الإسلامي في كل عصر.
سمو #ولي_العهد يدشن المرحلة الثانية من مشروع تطوير المساجد التاريخية، والتي تشمل 30 مسجدًا في مختلف مناطق المملكة. #ولي_العهد_يجدد_مساجد_تاريخية pic.twitter.com/pjuzinoYYQ— هيئة الإذاعة والتلفزيون (@SBAgovSA) July 13, 2022
هل تحظى المساجد التاريخية في المملكة باهتمام في عصرنا الحاضر؟
تحظى المساجد التاريخية باهتمام كبير منذ توحيد المملكة العربية السعودية، على يد جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود –رجمه الله-، ومن تولي قيادة هذه الدولة من بعده –طيب الله ثراهم– حتى وقتنا الحاضر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان – حفظهم الله.
يأتي في مقدمة ما قامت به الدولة –رعاها الله– من عمل جليل في عمارة وتوسعة الحرمين الشريفين، وصيانة المساجد التاريخية وإعادة بناء عدد منها مثل مسجد قباء، ومسجد القبلتين في المدينة المنورة، ومسجد الشافعي في جدة التاريخية.
وانطلاقا من أهمية المساجد التاريخية كأحد أهم عناصر التراث الوطني ركزت الدولة على تبني تنظيما إداريا يؤسس للعناية بالمساجد التاريخية تحت مسمى "برنامج إعمار المساجد التاريخية" في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني سابقًا وحاليًا في هيئة التراث بوزارة الثقافة، ويعمل البرنامج بالشراكة مع وزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد بحكم مسئوليتها عن المساجد، ويهدف البرنامج إلى المحافظة على المساجد التاريخية على المستوى الوطني وتطويرها للعبادة, وقد نفذ من خلال البرنامج العديد من الإنجازات شملت حصر وتوثيق اكثر من 1500 مسجد تاريخي في المملكة وتوقيع حوالي 80 اتفاقية مع متبرعين وتنفيذ ترميم وتأهيل كثير من المساجد التاريخية سواء من خلال مؤسسة التراث الخيرية قبل تأسيس البرنامج أو من خلال البرنامج.
مشروع تطوير المساجد التاريخية الأكبر
يأتي مشروع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز لتطوير المساجد التاريخية، الذي يعد الأكبر في تاريخ دعم المساجد التاريخية من حيث عدد المساجد المستهدفة والتكلفة الإجمالية، حيث تبرع سموه الكريم بترميم وتطوير 130 مسجدًا تاريخيًا على مستوى المملكة، وكان لي بمشاركة عدد من الزملاء شرف الإشراف على تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع الذي شمل 30 مسجدًا تاريخيًا للمشروع وإعداد دراسات ومخططات تلك المساجد، ويجري العمل حاليا بتوجيه سموه الكريم على تنفيذ ترميم وتطوير 30 مسجدًا تاريخيًا أخرى.
تمتاز جدة التاريخية بطابعها الفني المعماري كيف ترى جماليات مساجد جدة؟
جدة التاريخية تمتاز بعمق أصالتها التاريخية، إذ يعود تاريخ تأسيسها إلى عصر ما قبل الإسلام، وشهدت في بدايات العصر الإسلامي نقطة تحول كبيرة عندما اتخذها الخليفة عثمان بن عفان ميناء لمكة المكرمة، ولذلك تميزت بمكانة مهمة عبر الحضارات المختلفة، ولأهميتها التاريخية والحضارية والعمرانية أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي باليونيسكو عام 2014.
تقع جدة التاريخية في قلب مدينة جدة، و تعتبر متحفًا مفتوحًا يضم أقدم البنايات المشيدة من الحجارة المرجانية المتميزة بفنها المعماري وبرواشينها ومشربياتها وزخارفها الجميلة. كما تتميز جدة بمساجدها التاريخية الضاربة في أعماق التاريخ التي يرجع بعضها لمئات السنين مازجة بين هوية المكان وروعة التصميم في فن العمارة الإسلامية، إذ تحتوي على أكثر من 30 مسجدًا تاريخيًا مثل مسجد الشافعي، ومسجد الحنفي، ومسجد عثمان، ومسجد المعمار، وتتميز تلك المساجد بتصميمها وطابعها المعماري سواء في تصميم قاعة الصلاة أو الصحن المكشوف وبأروقتها ومناراتها التي أعطت المدينة تميزا تاريخيا ومعماريا.
ومن يصلي في هذه المساجد كمسجد الشافعي أو المعمار على سبيل المثال سيشعر بروحانية كبيرة، فالصلاة في المساجد التاريخية (العتيقة) لها ميزة، وكثير ممن يصلي في تلك المساجد سواء كانت مساجد طينية أو حجرية يذكر ذلك.
كيف تصف جماليات الفن الإسلامي في أبواب المساجد التاريخية القديمة؟
تعتبر الأبواب من العناصر المعمارية للمساجد التاريخية، إذ تشكل الارتباط ما بين الخارج والداخل، وتعد الأبواب من الأجزاء التكميلية لشكل مداخل المساجد وتصميمها، ومن خلال ملاحظة الأبواب في المساجد التاريخية خصوصا العتيقة منها نستطيع القول أن بيوت المسلمين ومساجدهم في العصور الإسلامية كانت عبارة عن أبواب خشبية بسيطة تنسجم مع طبيعة حياة البساطة التي عاشها المسلمون في تلك العصور.
وتعد الإمكانيات الاقتصادية من أهم العوامل المؤثرة في اختيار نوعية الأبواب من حيث المتانة والإضافات الزخرفية كطابع جمالي مميز يتراوح ما بين الرمزية والبساطة، ومنها الأبواب التي تُصنع من الأخشاب المحلية الموجودة في المنطقة الواقع بها المسجد بدون زخارف ملفتة، وهناك أبواب مساجد كثيرة مزينة بالزخارف التي تعطيها تميز وجمال، وتختلف نوعية الزخارف فمنها الزخارف الهندسية على أشكال مربعة أو مستطيلة أو مثلثة أو متداخلة الأشكال تنفذ بطريقة الحفر الغائر وبعضها تكون ملونة بألوان مختلفة.
وهناك أبواب ذات الزخارف المتنوعة، وهذا النوع من الأبواب يجمع بين الزخارف النباتية التي قوامها أغصان نباتية وأوراق وورود بأشكال متنوعة ومحورة عن الطبيعة وأحيانا تتكامل الزخارف النباتية مع الأشكال الهندسية التي تزين واجهة أبواب المساجد التاريخية.
وإذا تتبعنا أشكال الأبواب الخشبية في المساجد التاريخية المنتشرة في مناطق المملكة نجد التنوع في صناعتها وأسلوب زخرفتها فمثلا نجد المساجد في وسط المملكة تتميز أبوابها بما يسمى بالأبواب النجدية ذات الزخرفة التي تميزها، وكذلك الأبواب في المساجد التاريخية في منطقة مكة المكرمة والمدينة المنورة ذات الأحجام الكبيرة وبعضها تكون على شكل أقواس في أعلاها، وهناك الأبواب الخشبية في مساجد منطقة عسير والتي غالبا تكون بسيطة، فهذا التنوع في أبواب المساجد التاريخية يعكس ثراء وجمال عمارة وهوية المساجد التاريخية في كل منطقة.