يقال: خير وسادة للنوم راحة الضمير، والإنسان الذي لا يحمل في قلبه حقدا وحسدا، ويحاول جهده ألا يظلم أحدا هو في الغالب مرتاح الضمير، لأنه ابتعد قدر الإمكان عن الوقوع في الضغائن التي تورث أرقا بالليل، وضيقا بالنهار.
والجانب الآخر من راحة الضمير هو محاولة عدم أخذ حقوق الآخرين أو التعدي عليها سواء ماديا أو معنويا أو نفسيا. وفي كثير الأحيان الظلم اللفظي أشد وطأة على النفوس من المادي. فالجانب المادي قدر يعود إلى أصحابه، ولكن بقاء الجرح في النفس هو الذي قد يطول علاجه، ويبقى له أثر في النفوس.
وحديثنا عن هذا الموضوع لأنه يوافق يوم (5) من شهر أبريل الحالي «اليوم الدولي للضمير» وتحدثت عنه هيئة الأمم في موقعها الرسمي فقالت: كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاق.
والواقع أن تنظيف النفس من الأحقاد أو الحسد ليس بالأمر الهين، إذ يحتاج إلى صراع طويل مع النفس والهوى وحب الانتقام. وقد قيل: «ما خلا جسد من حسد لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه». وذكر عن الحسن البصري أنه حين سئل: أيحسد المؤمن؟! فقال: ما أنساك إخوة يوسف لا أبا لك؟ ولكن عمه في صدرك، فإنه لا يضرك ما لم تعذبه يدا ولسانا. وأما المنزلة التي هي أعلى من أن تخفي حسدك أو غيرتك هي منزلة حب الخير للآخرين، وتلك مرحلة لا يصلها إلا القلة والصفوة من الناس لسلامة صدورهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
هذه الحالة (راحة الضمير) ستجدها لدى البعض سهلة وميسرة، والبعض يقول عنهم (طيبو القلب) أي يسامح ولا يحمل الحقد والحسد بين جنبيه. ونحن نلاحظ أيضا أن معظم الأطفال يحملون هذه الصفة، فتراهم يتخاصمون ثم بعد قليل نراهم يلعبون وكأن شيئا لم يحدث (تعود المياه إلى مجاريها) كما يقال.
إن المستفيد من هذه الخلة أولا وأخيرا هو المتصف بها، لأنه يرمي عن كاهله عبئا ثقيلا، وحملا متعبا. والذي يصل إلى هذه المرحلة هو يعيش في سلام داخلي، ولعلنا نصف هذا الشعور بجنة الدنيا، ولكن كمالها يكون في الآخرة حيث قال سبحانه وتعالى: «ونزعنا ما في صدورهم من غل».
ويدل على عظم وفضل هذه المرحلة (راحة الضمير) وسلامة الصدر الحديث الطويل الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» ثلاث مرات في ثلاث ليال. وجاء في تتمة الحديث أن هذا الصحابي يصف حاله فيقول: «غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه. فقال عبدالله (راوي الحديث): هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق»، وهذا هو الشاهد وبيت القصيد، والذي نعالج منه أنفسنا كثيرا ونجاهدها حتى لا تتطلع لما في أيدي الناس من مال أو منصب أو جمال أو غيره من النعم. وهي منزلة ليست بتلك السهولة، هي معركة طويلة وشاقة مع النفس للوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة. إنه بمجرد أن تردد على نفسك سؤال: لماذا هو وليس أنا؟ فسوف تدخل في دوامة (أنا خير منه خلقتني من نار، وخلقته من طين) وسيظل هذا السؤال يطرق عقلك وقلبك طرقا، ولن تخرج بفائدة ولا حل سوى الحسرات والتعب، ونكد البال، واسألوا إبليس الملعون إن شئتم؟!
abdullaghannam@