المواقع الأثرية والتراثية في كثير من أصقاع الوطن العربي تمثل سلسلة من الحكايات والأساطير في تاريخ المدن والمناطق التي تم توثيق وتدوين بعضها؛ ليلعب الأدب في هذه الحالة دورًا حيويًّا وهامًّا في أنسنة الأماكن، وقد بيَّنت أستاذة الأدب والنقد بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتورة صلوح السريحي، في محاضرة قيّمة ألقتها قبل أيام بمنتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف لصاحبه المهندس جعفر الشايب، عدة أوجه لدور المكان في الأدب العربي؛ حيث إن موقعية المكان تتمتع بمؤثرات ومنابع تأمل مشهودة في الكتابة «المؤنسنة»، إن جاز القول، تستكشف من خلالها أبعاد المكان المنظورة وغير المنظورة، ومن ضمنها الحكايات والأساطير التي تم توثيق وتدوين معظمها كمبادرة توثيق الأدب العربي للأماكن الدينية والتراثية بالمملكة، وحفظ ما يتعلق بها من مخطوطات بالطرائق الرقمية الحديثة.
ويتضح للعيان من خلال تلك المبادرة وغيرها أهمية العلاقة المباشرة والجذرية بين الأدب والمكان، على اعتبار توافر التداخل الواضح بينهما؛ حيث لعب الأدب وما زال يلعب دورًا فاعلًا ومهمًّا في أنسنة الأماكن، وإضفاء حالات من الحيوية التي تظهر من خلال ما يكتبه الأدباء والشعراء من وصف للمكان وتاريخه، وما يدور حوله من حكايات وأساطير، فتوثيق الأدب العربي للأماكن الدينية والتراثية، على سبيل المثال لا الحصر، يصب في قنوات الربط بين اللغة العربية والمكان رقميًّا وورقيًّا بما يخدم لغة القرآن الكريم من جانب، وخدمة الأدب العربي، على اعتبار أنه يحمل تراث الأمة من جانب آخر، فتوثيق الأماكن من هذا المنطلق يحمل طابعًا تراثيًّا له إرثه الحضاري عبر مختلف العصور.