@DrAlghamdiMH
* أنقلكم إلى عالم التساؤلات الفكرية حول الماء العذب ومصدره المطر. تساؤلات ستأتي تباعًا؛ لتحريك المياه الراكدة لصالح المطر. لماذا تغييب أهميته، وتجاهل منفعته، ووأد دوره؟ جاء الإنسان بتقنية أعذبة مياه البحر. عظم شأنها على حساب المطر.. لماذا؟ ما الهدف؟ هل لأنها نتاج عقله وفكره وصناعته؟ لكن هذا العقل نفسه تجاهل مياه الأمطار، رغم كونها التحلية الطبيعية المستدامة. لماذا لم يعمل على تعظيم شأنها ودورها ووظيفتها؟ تطفو الأسئلة لتزيد الأمر حيرة في ظل أزمات المياه.
* أيهما أهم وأشمل نفعًا، مياه الأمطار العذبة المجانية أم أعذبة مياه البحر المالحة بتكاليفها الباهظة. التحلية صناعة تدرّ أموالًا طائلة. وأصحاب هذه الصناعة هدفهم المال أولًا وأخيرًا؟ أرى التحلية صناعة مثلها مثل صناعة الأسلحة والأدوية، الأعظم سيطرة في العالم. وتأتي التحلية في ظل وجود مطر ينزل من السماء هبة ربانية مجانية.
* المطر مصدر للمياه العذبة المستدامة يتم تجاهله.. لماذا؟ نجنح إلى صناعة أعذبة مياه البحر بأغلى الأثمان في ظل تواجد المطر.. لماذا؟ صاحب الحاجة يقرر كيف يحقق حاجته، لكن على أي معايير يعتمد؟ يبدو أننا حددنا التحلية كخيار إستراتيجي. السؤال على أي أساس ومبرر علمي أو اقتصادي أو بيئي؟ وهل يدعونا هذا لتجاهل أهمية المطر واستثماره، على الأقل لصالح البيئة؟
* تقول العرب: الكلام سهل. لكن مع مشكلة غياب المياه السطحية، وزيادة الطلب على الماء، ومن خلال تجربتي خلال العقود الأربعة الماضية، وجدت أن الحديث عن الماء أصعب من الحصول عليه في الصحاري والقفار. مدلول الكلام لا يوظف، ولا يستدر الحكمة والفلسفة لصالح استدامة المياه الجوفية وتغذيتها بمياه المطر.
* أيهما أرخص.. مياه المطر أم مياه التحلية؟ لماذا لا نواجه الطلب المتزايد على الماء باستثمار الأمطار التي تهبط على مناطقنا المطيرة في مناطق الدرع العربي؟ جاءت التحلية مع مرحلة مشاريع القمح والشعير والأعلاف.. ما مدلول هذا؟
* تحوَّلت التحلية إلى جهاز ضخم بمهندسين، وموظفين، وفنيين، وإستراتيجيات، ومحطات عملاقة. جعلناها محورًا إستراتيجيًّا بخطط، وبرامج، ومشاريع عملاقة، وشبكات نقل، وخزانات ضخمة. بالمقابل لم نفعل أي شيء لاستثمار مياه الأمطار.. لماذا؟ أيهما أكثر كمية ومنفعة، مياه الأمطار أم مياه التحلية بكل كوادرها ومحطاتها وميزانيتها الضخمة؟
* التحلية صناعة عالية التكاليف. رفعنا قواعد انتشارها. فأصبحت لها جهة مسؤولة هي: (المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة). شيء جميل هذا الإنجاز. لكن الأجمل لو جعلنا لمياه الأمطار أيضًا مؤسسة مشابهة. السؤال: كم يبلغ إنتاج التحلية بميزانيتها السنوية الفلكية؟ إنتاجها لن يضاهي كميات الأمطار السنوية التي تنزل على مناطقنا المطيرة. لا تقل عن (20) مليار متر مكعب سنويًّا، وقد تزيد على (60) مليارًا سنويًّا. نزيد كمياتها بزيادة مساحة المناطق المطيرة.. بتهيئتها بيئيا.
* التساؤلات والأفكار منبعها همّ الماء الذي أحمل. هل يحمله الجميع؟ لماذا تختلف مسارات المعالجة؟ هل تقف خلف التحلية مصالح تفرض نفسها؟ بقيت وحيدًا يقف بجانب ترجيح كفة المطر. أراه الحل الإستراتيجي لمشكلة الطلب المتزايد على الماء. لا يمكن أن نجعل المملكة جنات وأنهارًا بصناعة التحلية. لكن يمكن أن نجعلها كذلك بمياه الأمطار. وهذه نقطة محورية مهمة ستتم مناقشتها في مقال مستقل قادم.
* أن نركّز على التحلية كصناعة، ونتجاهل مياه الأمطار الطبيعية كنعمة فهذا مثار استغراب. لماذا لا نعمل لصالح تعظيم مياه الأمطار؟ تجاهلها تجاهل للبيئة. نحلّي مياه البحر في وقت تتحوّل فيه مياه الأمطار إلى فيضانات سائبة وغير مفيدة، ومدمرة. تتحول في ظل التجاهل إلى أداة لجرف وتجريف تربة الجبال الثمينة. جعلنا المطر في مناطقنا المطيرة أحد علامات التصحر. أقولها بحسرة. ويستمر الحديث بعنوان آخر.