في الآونة الأخيرة تكاثرت الضغوطات، وتنوعت أسبابها، فقد أثارت تحديا كبيرا على حياة الفرد، فأصبح يصارع من أجل البقاء بدائرة الأمان النفسي، كما أصبحت الحياة شاقة ومتعبة لدى البعض، والبعض الآخر تتثاقل خطواته لأداء عمله، فتجد أحدهم عند تعرضه لموقف بسيط، فجأة ينفجر بركانه الثائر، الذي هو عبارة عن تراكمات، وتنازلات كان يقدمها، وهذا بسبب الضغوطات التي يعانيها.
ارتفاع هرمون التوتر الذي يُعرف باسم (الكورتيزول)، يؤثر سلبا على مزاج الإنسان، وقدرته على التعامل مع الضغوطات والمشاكل.
عندما نتعرض للضغوطات، فإننا نفتقد رؤية الجوانب الإيجابية من حياتنا، فلا نرى منها سوى السلبيات، وكأن أعيُننا قد حُجبت، هل تسائلت في نفسك لماذا يحدث هذا!؟ لن أقول لك كلاما تنظيريا ومثاليا، بل نحن هنا لنحاكي الواقع، لأننا نتعرض لمثل هذا في المواقف الصعبة، فتنخفض الرؤية الصائبة لدينا، على سبيل المثال: بينك وبين صديقك، أو شريك حياتك مواقف إيجابية، وأيام جميلة، لكن حدث خلاف وشجار بينكما، فإنك في هذه الحالة تستذكر كل المواقف السلبية معه، فلا ترى سوى عيوبه وجوانب التقصير منه، بينما تنسى محاسنه ومواقفه الطيّبة معك، ويعود هذا لأسباب علمية، ففي علم الأعصاب عند التوتر وحدوث المشاكل والخلافات، يفرز الدماغ هرمون الكورتيزول، وعند إفرازه يقل نشاط المنطقة الأمامية من الدماغ، وهذهِ المنطقة مسؤولة عن الإدراك، والتفكير الصحيح، لذلك تضعف القدرة على التحكم بالعواطف والانفعالات، وهذا ما يعرض البعض لاتخاذ قرارات غير سليمة، فعند حدوث المشكلة قد يتخذ قرارات مصيرية، مثل: الطلاق، ترك وظيفة وغيرها. لذا يُنصح بعدم إصدار أحكام وقرارات عند حدوث المشكلة، حتى ينطفئ غضبك، لتتمكن من التعامل معها وحلها بهدوء وعقلانية.
قد تجد بحياتك أشخاصا يسيئون معاملتك، فيتطاولون عليك بالكلمات المسيئة والجارحة، ومنهم من يستنقص منك، هل تعلم ما السر وراء ذلك؟ قد يكون هذا السر صادما بالنسبة لك! ففي الحقيقة قد يلجأ البعض لإهانة الآخرين، والإساءة إليهم، والتلفظ عليهم بكلمات جارحة والسب والشتم، وهذا بسبب أنهم يشعرون بالألم النفسي من الداخل، فيتخذون هذا السلوك لتسكين آلامهم الداخلية، بالإضافة إلى أنّ هذا السلوك غير السويّ ناتج عن احتمالين:
الاحتمال الأول/ إما أنك أنت من تسببت لهم بالألم النفسي، فأحدثت بهم ردة فعل سلبية.
الاحتمال الثاني/ قد يكون بسبب الظروف والضغوطات التي تعرضوا لها بحياتهم؛ فقد أشارت بعض الدراسات إلى أنه في بعض الظروف والمواقف، إذا انخفض هرمون الاوكسيتوسين، من الممكن أن يجعل الأفراد أكثر تشككا وحقدا، وهذا الهرمون هو المسؤول عن الحب والعلاقات الإنسانية.
كما أظهرت الدراسات العلمية الحديثة أن هناك فرقا كبيرا بيّن الرجل والمرأة بالتعامل مع الضغوطات، حيث إن الرجل يميل للأنانية والتفكير في نفسه فقط عند تعرضه للضغوطات، في حين تعزز الضغوطات من قدرة المرأة على التواصل مع محيطها، والحصول على الدعم الخارجي لتجاوز المواقف الصعبة، فغالبا تلجأ المرأة للفضفضة للتخفيف من ضغوطاتها النفسية، لتتمكن من القدرة على مواصلة حياتها.
علميا ٧٠٪ من التعافي من الأزمات والضغوطات النفسية تأتي عن طريق التحدث عنها والفضفضة لشخص أو لمختص، فيحدث انفصال شعوري عن الألم النفسي والأحداث المأساوية، لأن التحدث عنها يعالج من الشعور بالألم، ويخفف من الضغوطات النفسية، وهذا يساعد بإعادة ترميم الكسور، والتعايش مع الظروف الصعبة.
للأسف ساهمت تقنيات التواصل الاجتماعي في سلب سعادة الإنسان، بسبب مشاهدة ما يعرضه الآخرون من تصوير رحلاتهم السعيدة، ومقتنياتهم الثمينة، لكن لا يغرك ما تشاهده بهاتفك، ففي بعض الحالات قد يلجأ الأشخاص لهذا هربا من ضغوطاتهم النفسية، ولكي يبدو أنهم على ما يُرام. من جانب آخر عرض الجماليات والنعم، والتباهي بها أمام الناس بالتصوير، تسبب لدى من يشاهدها شعورا بالألم والضغط النفسي، إذا كان يعاني من حرمان، بسبب مقارنة ما يفتقده بما يمتلكه الغيّر، فلا تعلم كم من شخص محروم يعاني من حرمانه من النعم التي هي بحوزتك، فتقوم بعرضها بشاشة هاتفك، فتكسر بها قلوبهم بغير قصد، فرفقا بالقلوب المحرومة.
كذلك من الضغوطات والتحديات التي تواجه الأشخاص، افتقادهم للدعم المعنوي أو المادي، والتواجد في بيئات سلبية، ومواجهة ظروفهم القاسية بمفردهم، مما يحفز لديهم إفراز هرمونات (الكورتيزول، والأدرينالين)، المسؤولة عن التوتر وسوء المزاج، فيشعرون بالإحباطات التي تقلل من إفراز هرمونات السعادة لديهم مثل: هرمون السيروتونين، والإندروفين، والدوبامين، والأوكسيتوسين؛ ويعتبر هذا من الأسباب التي تجعلهم في تعاسة دائمة، نتيجة لإفراز هرمون التوتر والإجهاد بكثرة.
ما يلي محفزات لإفراز هرمونات السعادة بالجسم، مما يخفف من شعور التوتر والضغوطات:
•هرمون الاندروفين: ادخل بعض الأطعمة الحارة إلى طعامك، لأنها ترفع من مستوى إفراز هرمون الاندروفين، كذلك العطور الزاكية لها أثر بتحسين المزاج، وقضاء وقت ممتع مع الأصدقاء، والضحك معهم له تأثير إيجابي، فالضحك يرخي عضلات الوجه، ويحفز من هرمون السعادة.
•هرمون الدوبامين: يفرز هذا الهرمون عند القيام ببعض المهام وإنجازها، وعند تحقيق الأهداف، فيخلق شعورا بالمتعة والإنجاز، ويعزز من هرمون المكافأة (الدوبامين)، كذلك الشوكولاتة الداكنة من شأنها أن تصنع شعورا بالسعادة، لأنها تعزز من إفراز هذا الهرمون.
•هرمون السيروتونين: يفرز هذا الهرمون عند التلامس الجسدي مثل: العناق، تلامس الأيدي، المصافحة، فمن شأنها رفع مستوى السعادة، وقد يلجأ بعض الأطباء النفسيين إلى العلاج باللمس، كما أشارت الأبحاث العلمية إلى أن مرضى المستشفيات ودور المسنين يتشافون بشكل أسرع عند تلقيهم علاجا باللمس، فله دور كبير في التعافي من الآلام الجسدية والنفسية، وتحسين الحالة المزاجية.
•هرمون الأوكسيتوسين: يفرز هذا الهرمون عند الترابط الاجتماعي، وتكوين العلاقات، والانتماء لمجموعة مثل: الانتماء لفريق عمل، العائلة، الأصدقاء؛ ويزيد هذا الهرمون عند الرغبة بالتعاون مع الآخرين، كما ذكرت دراسة أمريكية حديثة أن الأشخاص الذين تفرز أدمغتهم كميات كبيرة من هرمون الأوكسيتوسين، يكونون أكثر ودًا تجاه الآخرين، وأكثر رضا عن حياتهم، لذا خالط الناس، وساعدهم وجالس من تحب منهم. بالرغم من أن هذه الأفعال غير مكلفة، لكن من شأنها أن ترفع من منسوبات السعادة لديك.
وخلاصة القول.. تذكر أننا في دار ابتلاء وامتحان، فكل يوم تمر باختبارات عديدة، فقد يختبر الله -عز وجل- صبرك وقوة تحملك عن طريق الظروف والضغوطات، والشخصيات الصعبة بحياتك، لذا تماسك واجعل وقودك بالحياة الصبر والصمود أمام محطاتها الصعبة.