في عالم يسوده الاقتصاد الرقمي، يبيّن لنا كارل نيوبرت أستاذ علم الحاسوب لدى جامعة جورج تاون، في كتابه «عمل عميق»، أن هناك الكثير من الوظائف التي سوف تستبدل مع الوقت بوظائف غيرها، في حين أن وظائف أخرى قد تختفي بسبب إحلال الآلة مكان الإنسان، ووظائف تتطلب مهارات معينة أصبح وجودها نادرًا، كل ذلك وغيره الكثير، جعل الحصول على وظيفة في وقتنا الحالي، أمرًا أصعب بكثير مما كان عليه في وقت مضى.
ولكي يتغلب الجيل الجديد على صعوبة الحصول على وظيفة، فعليه أن يطوّر نفسه، ويهتم بتعلم مهارات عدة تساعدة في إنجاز الأعمال في وقت قصير، وبكفاءة عالية، ومن أهم هذه المهارات وأكثرها فائدة، مهارة العمل بتركيز بالغ أو كما يسميه كارل بالعمل العميق.
ويُقصد بالعمل العميق هنا، العمل بتركيز تام لفتراتٍ طويلةٍ دون انقطاع؛ بهدف الوصول إلى أقصى قدرات العقل البشري، ونظرًا للتشتت الكبير الذي يعيشه الأفراد في وقتنا الحاضر، عبر الانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، مما جعل قلة من الناس يتمتعون بهذه المهارة، وهؤلاء القلة من الناس هم الذين ينعمون بالازدهار المهني في العصر الحالي، وهم على ثلاثة أصناف، وهم أصحاب المهارات العالية، كتحليل البيانات، وتعلّم الآلة والذكاء الصناعي والبرمجة والاتصال السريع، والنجوم البارزون، الذين يتقاضون رواتب عالية، كنجوم الكرة مثلًا، والمدربون المميزون، والرؤساء التنفيذيون، وأصحاب المشاريع، الذين يستطيعون أن يستثمروا أموالهم في التقنيات الجديدة التي تشكّل الاقتصاد الرقمي الذي نعيشه، بل ويكونون قادرين على توظيف النوعين السابقين من الناس.
ولكي تنمّي مهارات العمل العميق، ينبغي عليك، تهيئة البيئة المحفزة للعمل والخالية من المشتتات، ووضع وقت محدد لإتمام العمل، وجعل ذلك روتينًا دقيقًا يتكرر باستمرار حتى يصبح عادة يومية لا يمكن الاستغناء عنها، ومع الوقت ستجد أنك ستقوم بتحسين البيئة التي تعمل فيها لتنتج بشكل أفضل.
وكذلك عليك الاعتياد على تقبّل الملل في حياتك؛ لأننا غالبًا ما نهرب لممارسة لعبة أو مشاهدة مقطع أو الرد على رسائل التواصل، عندما نشعر بشيء من الملل، فيسهم ذلك في فقدنا التركيز وتعميق التشتت في حياتنا.
والأمر الثالث هو التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي كأداة وليس كوسيلة، بمعنى أن نستخدمها لغاية تطوير وتحسين إمكانياتنا، وليس لمجرد الاستمتاع وكسر الملل، وأن تكون فترات الاستمتاع خارج أوقات التركيز ولفترات قصيرة جدًّا.
والأمر الأخير هو الحد من الانغماس في الأعمال السطحية، وهي تلك الأعمال التي نؤديها دون تركيز، والتي اعتدنا على ممارستها بشكل روتيني؛ لنحصل من خلالها على نتائج متشابهة في كل مرة دون أدنى جهد، بل علينا رفع مستوى التحدي في كل مرة، وتطوير العمل بشكل أفضل وأحسن؛ لذا تجد أن بعض الشركات قامت بتجربة تقليل أيام العمل، مما زاد من إنتاجية الموظفين؛ لأنهم بدأوا يشعرون بأن الوقت أصبح ضيقًا، وعليهم أن ينجزوا أعمالهم في وقت أقصر، فتجنبوا إضاعة الوقت في الأحاديث الجانبية أو في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو في الاستئذان لأعمالهم الخاصة خارج العمل.
لذا في عالم سريع التغيير، عليك أن تبحث في نفسك عن أهم ما يمكن أن يميّزك، وتضع خطة تطويرية لتستثمر في نفسك، وتميّزها عن غيرها، لتعمل بعمق وتكون مختلفًا.
قال عمر ابن الوردي:
اهجر النوم وحصله فمن.. يعرف المطلوب يحقر ما بذل
لا تقل قد ذهبت أربابه.. كل من سار على الدرب وصل