إن الحقيقة التي قد يدركها البعض منا متأخرا! هي أن الوقت دائما يتفلت من بين أصابعنا، وهذا الشهر بالذات يمر كالحلم، كأنه ثوان معدودات. فالبارحة كتبت لكم عن بداية الشهر، وها أنا الآن أكتب لكم ونحن على مشارف نهايته. ولذلك وددت أن أشارككم بعضا من الخواطر، فلعلها تترك أثرا أو تثير تساؤلا.
منها أنهم يقولون إن العبرة بالخواتيم، فلعل نهاية الشهر تكون أفضل من بدايته. والعشر الأواخر من رمضان فيها ليلة خير من ألف شهر (83 سنة). ولذلك تصبح المسألة أكثر أسفا وحسرة على العاقل حين يضيع منه أول الأمر وآخره!
ومن الأمور التي تجدر الإشارة إليها هي أننا في الكثير من الأحيان وبدون قصد منا قد ننشغل بالمفضول عن الفاضل، وبالمهم عن الأهم حتى خلال هذه الأيام الفاضلة والمباركة.
والحديث عن العشر من رمضان يدفعنا إلى تذكر أهمية الوقت، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك». وهذه المواسم والأيام هي من اغتنام الفرص والأجور معا.
ومن نافلة القول، أن العبرة ليست بكثرة العمل ولا بطوله، بل بالإخلاص فيه، فقد جاء في الحديث الشريف: «سبق درهم مائة ألف درهم قالوا وكيف؟ قال: كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها».
ومن الجدير بالذكر أن تنوع العبادات كبر الوالدين، وقراءة القرآن أو الذكر بأنواعه أو الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام أو الصدقات فيه تنشيط للنفوس والعزائم.
ومن الملاحظ أن النفوس لها إقبال وإدبار، ولكل عمل شرة (حرص وحماس)، ولكل شرة فترة (ضعف وفتور)، ولذلك قليل دائم خير من كثير منقطع. وقد قال عليه الصلاة والسلام: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل». فالمحافظة على جدول يومي قليل خير من الانقطاع مع الكثير، خصوصا أولئك المنشغلين يوميا بأعمالهم المهنية والوظيفية.
وهذا الشهر هو شهر الجود في كل أيامه، واليوم أصبح الوصول إلى المحتاجين والمشاركة في المشاريع الخيرية بأنواعها المتعددة سهلا وميسرا، وبعدة طرق رقمية (إلكترونية) وعن طريق القنوات الرسمية والموثقة.
وفي هذا المقام لا يفوتنا أن ننوه إلى فضل الدعاء بوجه عام، وفي هذه الأيام المباركة بشكل خاص. ومما يميز الدعاء أنه بحد ذاته عبادة، وهو عمل قلب وإخلاص قبل كل شيء. فقد قال عليه الصلاة والسلام: «الدعاء هو العبادة». ومما جاء في هذا الباب وهو يثلج الصدر ويزيدك راحة نفسية أكثر، قوله عليه الصلاة والسلام: «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء». فهل هناك عمل أجمل وأسهل من هذا؟!.
وبعد ما ذكرت آنفا، فإن العاقل الفطن يحاول على أقل الأحوال أن يقطف ما استطاع تحصيله من ثمرات وخيرات في هذه الأيام المباركة والفاضلة بإعادة جدولة برنامجه اليومي بشكل مختلف. فمثل هذه الأيام لا يمكن أن تمر مرور الكرام كغيرها من سائر الأيام! ومن المحزن والمؤسف أن نتعامل معها ببرود وفتور.
ولابد لنا قبل الختام أن نعود ونذكر بأهمية الاستفادة من الأوقات خصوصا في الأيام الفاضلة والخيرة لأنها تزيد من أعمارنا وأعمالنا في أوقات قصيرة وأيام معدودة.
وكل عام وأنتم بخير وصحة وعافية.
abdullaghannam@