بين الإنفاق على المساكين ونشر العلم، عاشت فاطمة الفهرية، السيدة المغربية المنشأ قرشية الأصل، حياتها التي برز فيها عملها الخيري حتى خلد اسمها في التاريخ لما ارتبط بجامعة القرويين.
تلك الجامعة التي وهبت فاطمة الفهرية كل مالها وجهدها لإنشاء نواتها الأولى، وهو جامع القرويين، انتهت بكونها صرحًا علميًا فريدًا اجتذب كبار العلماء في مختلف العصور منذ قيامها، حتى عدتها منظمة اليونسكو، الجامعة الأقدم عالميًا بين الجامعات العاملة إلى الآن دون انقطاع في تاريخها.
من هي فاطمة الفهرية
فاطمة بنت محمد بن عبد الله الفهرية القيروانية، ممتدة النسب إلى عقبة بن نافع فاتح تونس ومؤسس مدينة القيروان بها.
ارتحلت مع أسرتها العالمة بالتجارة من القيروان إلى فاس، وهي لا تزال صغيرة السن، فتعلق قلبها بمسكنها الجديد الذي سيخلد اسمها فيما بعد.
استقرت فاطمة مع أسرتها في فاس حتى كبرت وتزوجت، وبدأ ثراء أسرتها يزيد فعاشوا في سعة من مال كثير، حتى عاجلها القدر بوفاة والدها وزوجها فورثت عنهما مالًا وفيرًا.
رسم لفاطمة بنت محمد الفهرية، المرأة العربية القرشية التي أسست أقدم جامعة في العالم من مالها الخاص عام ٢٤٥هـ، جامعة القرويين في فاس، تؤكد اليونسكو أنها أول جامعة في التاريخ، وأول جامعة تمنح إجازة في الطب، وأول مؤسسة اخترعت الكراسي العلمية المتخصصة والدرجات العلمية في العالم. pic.twitter.com/NEeRWnlCmx— د.عبدالله الرشيد (@ALRrsheed) October 7, 2020
سيدة الخير
نشأت فاطمة الفهرية في بيت غني بالمال ومحب للخير، فتأثرت بالبيئة الحسنة من حولها وتغلغل حب الإحسان في نفسها حتى صار صفة متأصلة بها.
وعُرفت فاطمة الفهري بكثرة الإنفاق والإحسان، خاصة في شهر رمضان، فنذرت مالها للسائلين تغدق منه بسخاء على المساكين والمحتاجين، كما خصصت جزءًا كبيرًا من إنفاقها على طلاب العلم، فلُقبت بأم البنين.
ولم تزل عادة أم البنين في فعل الخير والإنفاق على العلم مستمرة، حتى هدتها نفسها إلى بناء أصل تجمع فيه فعل الخير ونشر العلم فكان جامع القرويين، وذلك بعدما اكتظت مساجد المدينة، ليكون نواة تكون الجامعة الأقدم عالميًا.
جامع القرويين ذو الـ 17 بابا وأقدم منارة مربعة في بلاد المغرب العربيhttps://t.co/DGcVQjzEtj pic.twitter.com/5dRTXyuvV3— صحيفة اليوم (@alyaum) June 12, 2018
جامعة القرويين.. الأقدم عالميًا
في عام 859 م بدأت فاطمة الفهرية في إنشاء جامع القرويين، منفقة كل ما ورثته من مال عن أبيها وزوجها على ذلك الجامع الذي كان ولا يزال تحفة معمارية متفردة في المغرب والعالم العربي.
ولم يكد يفتتح الجامع حتى تحول إلى معهد ديني وأكبر كلية عربية في بلاد المغرب والعرب، حين بدأ العلماء في عقد حلقاتهم العلمية به، وبتعاقب الزمن عليه، ومع اهتمام حكام مدينة فاس التي يقع الجامع بها، تحول إلى مركز علمي وثقافي ينافس المركاز العلمية ذائعة السيط في قرطبة وبغداد، لتتحول إلى جامعة بالمعنى الحديث.
تأكيدًا ع هذا القول بنشوء أول جامعة في العالم (جامعة القرويين) ع أيدي السيدة فاطمة بنت محمد الفهري سنة 245 هـ . وهذه الخريطة أوضحت فيها بدايات نشأة الجامعات في أوروبا العصور الوسطى، ومن ثم السبق الغربي في مجال الطباعة والذي تزامن مع عصر النهضة الأوروبية.#أطلس_تاريخ_العالم_الحديث pic.twitter.com/iYLkYmFTKU— سامي عبدالله المغلوث (@SamiAlmaghlouth) September 17, 2019
مهد العلماء
من كل حدب وصوب هاجر العلماء إلى جامعة القرويين منذ إنشاءها الأول كجامع، معلمين ومتعلمين، فشهدت أروقتها وحلقاتها العلمية وجود فلاسفة مثل بن رشد، بن باجة، ومؤرخون مثل بن خلدون وأطباء مثل بن ميمون، وجغرافيون مثل الشريف الإدريسي، وكتب فيها ابن آجروم كتابه الشهير الآجرومية الذي يعد من أهم كتب النحو.
كما تعلم به أبناء الغرب ممن اجتهدوا في تحصيل العلوم من بلاد العرب، فكان بين طلابه سيلفستر الثاني الذي شغل منصب بابا الفاتيكانبداية من عام 999م.
وتظل الجامعة إلى يومنا منارًا علميًا ينشر المعرفة في بلاد المغرب، شاهدة على الدور الاجتماعي للمرأة المسلمة الذي عكس قيم الحضارة الإسلامية والإنسانية المبنية على تشجيع العلم ودعم المعرفة.