تخيّل لو أن أقرب الناس إليك، خَذَلك ولم يؤمن بك وبرسالتك، ولم يقدِّر دورك وما تقوم به. ما مدى خيبتك وحزنك ووجعك حينها؟
مررتُ بآيةٍ في كتاب الله فاستوقفتني طويلًا، بحجم الخيبة التي حَوَتها، والصدمة التي انطوت عليها، وعِظَم الجرم فيها. يقول الله «جلَّ وعلا»: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا للَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا...).
وجاء في كتب التفسير: «كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تطّلع على سرّ زوجها، فإذا آمن معه أحد، أخبرت الجبابرة من قومها به؛ وأما امرأة لوط فكانت إذا نزل عنده ضيفٌ، أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء».
تخيَّل معي مشاعر نبي الله نوح «عليه السلام»، وهو الذي قضى مئات السنين يدعو قومه، حين اكتشف فِعلَة زوجته، وهي التي رأت فيه أخلاق النبوّة، وما تحمّله من مشاقّ ومتاعب، وما واجَهَه من تحدياتٍ ومصاعب لإيصال دعوته وتبليغ رسالته، إلا أنها اختارت الإعراض عن دينه، بل والتعاون مع أعدائه لمحاربته.
وتخيّل حال نبي الله لوط «عليه السلام»، وهو يرى زوجته، وهي أقرب الناس إليه، تفشي أسرار بيته وخَبرَ ضيوفهِ لأُناسٍ حادوا عن الفطرة السويّة، وارتكبوا أبشع المحرمات.
وآيةٌ أخرى، في نفس السياق، تحكي قصة نوح «عليه السلام» وابنه حين ناداه في لحظةٍ حاسمة لينجو من عقاب الله، ولكنه عاند ولم يُجِبْ دعوة أبيه، «وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِين».
فأيُّ حسرةٍ تعتصرُ قلبَ الأبِ المحزون، وهو يرى إعراض ابنه عنه، بعد كل تلك السنين التي أحاطه فيها بالرعاية والاهتمام، وقد خابت كل التوقعات، وانهارت كل الأحلام.
ونأتي لرسول الله «صلى الله عليه وسلم» وعمّه أبي طالب، الذي أحبّه كواحدٍ من أبنائه أو أشد، ودافع عنه بعد بعثته، وكان حصنًا منيعًا أمام قريش، حتى أنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «ما زلتُ في عزٍّ ومَنَعَةٍ حتى مات أبو طالب».
لقد بذل رسول الله «صلى الله عليه وسلم» خلال عشرِ سنواتٍ ما في وسعه لهداية عمّه، حتى إذا حضرته الوفاة، قال له: «يا عمّ.. قل لا إله إلا الله، كلمةً أُحاجّ لك بها عند الله»، ولكنَّ أبا طالب اختار أن يموت على ملة أبيه عبدالمطلب.
هذه الأمثلة وغيرها عزاءٌ لكل شخصٍ يبذل قصارى جهده، ثم لا تأتي النتائج كما يحب أو يتوقع، كيلا يَبْتَئس أو يَقْسو على نفسه باللّومِ والتأنيب.
نحن مطالبون فقط بما هو في أيدينا، وهو فعل الصواب وأداء الأمانة في تربيةٍ أو وظيفة أو غيرها، أما النتائج والثمار والأمنيات فهي بيد الله «سبحانه».
وفي الحديث: «إذا قامت الساعة وفي يَدِ أحَدِكم فَسِيلة، فليَغْرِسْها». وكأنّها دعوةٌ لفعلِ الصواب دائمًا، دون ترقّبٍ للنتائج.
@MetebQ