* من قراءاتي خلال هذا الشهر المبارك لسيرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، مررت بسيرة أبويه ومما شدني ما حوته بعض السير عن إحدى مراحل طفولته بأبي هو وأمي وتحديدا الفترة القصيرة التي عاشها في كنف أمه آمنة بنت وهب وهذا هو الجزء الأول عن تلك المرحلة.
* فالسيدة آمنة بنت وهب كانت من أفضل فتيات قريش نسبا ومن أنضرهن هيئة وكانت مخبأة من العيون لسنوات طويلة، حتى كانوا لا يعرفون ملامحها، فهي فتاة ذات مكانة عالية بين فتيات قريش.
نعم .... قلة هم الذين تمكنوا من رؤية آمنة بنت وهب، وما من امرأة رأتها إلا وتحدثت عنها وعن جمالها وأدبها ورزانة عقلها وفطنتها مما جعلها محط أنظار الكثير وقد تقدم لخطبتها العشرات من خيرة شباب مكة، لكن والدها كان يرفض باستمرار لرغبته برجل ذي مواصفات معينة.
فابنته من أفضل فتيات مكة سمعة، ولا يريد لها إلا أفضل شبان مكة سمعة وعلى الرغم من أن خيرة شباب مكة تقدموا لها، لكن لم يكن عبدالله بن عبدالمطلب من الذين تقدموا لخطبتها برغم ما له من الرفعة والسمعة والشرف، حيث كان قد منعه من التقدم إلى آمنة أو لغيرها نذر أبيه بنحر أحد بنيه لله عند الكعبة.
لأن عبدالمطلب حين اشتغل بحفر البئر، لم يكن له من الولد سوى ابنه الحارث فأخذت قريش تعيب عليه ذلك، فنذر يومها إذا ولد له عشرة من الأبناء أن ينحر أحدهم عند الكعبة فأنعم الله عليه بعشرة أولاد أصغرهم عبدالله وكان هو الذي استقر عليه السهم ليكون الذبيح.
لكن عبدالمطلب لم يستطع الوفاء بنذره فعبدالله كان أحب أولاده إليه، فنحر عوضا عن ذبحه مائة من الإبل، وبعد أن انتهت قصة الذبح أخذ عبدالمطلب ابنه عبدالله إلى وهب ليخطب آمنة لابنه فغمر الفرح نفس آمنة، وكانت الفتيات يحسدنها لأن عبدالله اشتهر بالوسامة، فكان أجمل الشباب وأكثرهم سحرا، وبالمقابل كان الشباب يحسدن عبدالله لأن آمنة من خيرة فتيات مكة كما تقدم ذكر ذلك، وتم الزواج بين خير شبان مكة وبين خير فتياتها وجمع بينهما لتبدأ القصة العظيمة التي كان نتاجها ولادة خير البشرية عليه أفضل الصلاة والسلام.
مكث عبدالله مع عروسه أياما قليلة لأنه كان عليه أن يلحق بالقافلة التجارية المسافرة إلى الشام، ومرت الأيام وشعرت خلالها آمنة ببوادر الحمل، وكان شعورا خفيفا لطيفا ولم تشعر فيه بأية مشقة أو ألم كما هي عادات النساء الحوامل، حتى وضعت حملها، لكنها في ليلة زفافها رأت رؤيا عظيمة وغريبة أفزعتها وأثارت دهشتها.
فقد رأت آمنة شعاعا من النور خرج منها فأضاء الدنيا من حولها حتى تراءت لها قصور بصرى في الشام وسمعت صوتا يقول لها: يا آمنة لقد حملت بسيد هذه الأمة، وظل هذا الحلم في مخيلتها ولم تنسه وكانت تحدث أقرب الناس لها عنه باستمرار حتى مضت شهور وجاء الخبر القاسي حين علمت آمنة من أبيها بوفاة زوجها وحبيبها عبدالله إثر تعرضه لمرض أثناء رحلته فتوفي بيثرب ودفن فيها وبكت عليه آمنة ولكنها لم تبك عليه وحدها، بل بكت عليه مكة كلها، ومع ذلك صمدت آمنة حتى تحافظ على سلامة جنينها، وبالفعل جاء اليوم الموعود ووضعت وليدها، وأنزل الله عز وجل الطمأنينة والسكينة في نفسها وأخذت تفكر في الجنين الذي وهبها الله عز وجل والذي وجدت فيه مواساة لها عن وفاة زوجها الحبيب، ووجدت فيه من يخفف أحزانها وجاءتها آلام المخاض، فكانت وحيدة ليس معها أحد، ولكنها شعرت بنور عظيم يغمرها من كل جانب.