كثيرًا ما تُستخدم كلمة «الطراز» لوصف شكل أو نمط أو حالة من العمارة تُنسب إما إلى عمارة حضارة، أو دولة، أو ثقافة، وقد اتسع استخدام المصطلح في الآونة الأخيرة لدرجة فُقد فيها معناه على مستوى الخطاب الإعلامي والمهني، بل والأكاديمي أيضًا، وهو ما يستوجب إعادة تعريف المصطلح بدقة ووضعه في سياقه الصحيح، والطراز ترجمة لكلمة (style) الإنجليزية، وهي في جذورها الإغريقية واللاتينية - ويا للمفارقة - تعني القلم، الخطاب، الرواية وكل ما ارتبط بحسن الكتابة، وقد تطوّر المصطلح لتوصيف حالات معمارية تاريخية بعينها، كالطراز اليوناني أو الروماني أو القوطي وصولًا إلى العمارة الحديثة وما بعدها، كما استخدم في توصيف الموضة والفن وطرق وأساليب الحياة، وفي العربية المصطلح يعني مصانع وورش النسيج التي أقامها الخلفاء العباسيون لكسوتهم. والفعل طرز: أي اللباس بكافة أشكاله، والتطريز من البز.
ولعل ما ورد في البيت المشهور لحسان بن ثابت معنى ولفظًا يؤكد ذلك في مدحه لجبلة ابن الأيهم الغساني عندما قال: (بيض الوجوه كريمة أحسابهم.. شم الأنوف من الطراز الأول) هذا التأصيل اللغوي والتاريخي للمصطلح يؤكد على الحقيقة الراسخة للعمارة الإسلامية وهو ارتباطها بالنسيج في المعنى والتفاصيل وفي تجليات أشكالها، ولعل الزخارف المعمارية في كافة أنحاء العالم الإسلامي أوضح دليل على ذلك، وعندما يستخدم مصطلح الطراز في العمارة فهو يفترض أن يشير سلفًا إلى حالة من الثبات والنضج والكمال وصلتها العمارة، بحيث إنه لم يعُد بالإمكان إضافة شيء جديد عليها. هذا هو ما اصطلح على تسميته في تاريخ العمارة. انظر فقط إلى الطراز اليوناني للتأكد من ذلك. إنه طراز قد وصل لذروة سنامه، بحيث إنه لا يمكن إضافة أي جديد له. وانظر إلى نظم أعمدته الثلاثة الدوركي والأيوني والكورنثي. إنها نظم، طرز، وصلت إلى حد الكمال، ومن هنا تم استنساخها في كافة أصقاع العالم، وفي العمارة الإسلامية لا يوجد شيء من هذا القبيل، فليست هناك أنظمة أعمدة تحديدًا يمكن وصفها بالطراز.
هناك عدد كثير من العقود والأقواس، لكنها تبقى متحوّلة ومتغيّرة باستمرار. إنها لم تصل لمرحلة الثبات النهائي والاستقرار، وفي إعادة كتابة تاريخ العمارة الإسلامية فإن مرحلة الثبات والنضج في العمارة الإسلامية هي العمارة المغولية في الهند، والعمارة الصفوية في إيران، والعمارة العثمانية في تركيا والبلقان.
وبالرغم من الكمال الذي وصلته العمارة في هذه الدول تاريخًا وجغرافيا إلا أن كلًّا منها قد بقي ذا طابع محلي، وبالتالي لم يتم تطوير طراز موحّد يشمل كافة أنحاء العالم الإسلامي، كما هو الحال في العمارة اليونانية أو الرومانية، التي لا تختلف مسارحها ومعابدها في بلاد الشام عن تلك التي في العاصمة روما أو في أقصى اتساع وصلته الحضارة الرومانية، فالعمارة في كثير من أنحاء العالم ومنها الجزيرة العربية بكافة أقاليمها، والمملكة بوجه خاص، تمثل عمارة مجتمعات زراعية أو رعوية أو شكلًا ما في مراحل مختلفة من التجارة، وهي على العموم لم تطوّر نظمًا وتقاليد معمارية يمكن أن يُطلق عليها مصطلح الطراز. إنها لم تكن مطالبة بذلك، إذ لم تتوافر لها الشروط الموضوعية لكي يتسنى لها ذلك، فبقيت عمارتها في مرحلة مستمرة من التجربة والتطوير.
ولذلك فإن استخدام المصطلح لوصف هذه العمائر لا يناسب العمارة ذاتها ولا المصطلح اللغوي ذاته. وربما كان استخدام مصطلحات مثل: الأسلوب، الطريقة أنسب لذلك، وأن مصطلح الطراز يستلزم منظومة فكرية متكاملة ذات مرجعية بصرية ترافقها صناعة مواد بناء مزدهرة؛ لكي يتم بناء مفردات معمارة (أعمدة بقواعدها وتيجانها، قبابا عقود، إلخ...) تنسب للمكان وثقافته لكي تصنع العمارة طرازها الخاص بها. انظر إلى أعمدة الهياكل الإسلامية تجدها كلها قد جلبت من معابد إما بيزنطية أو إغريقية غربًا، أو هندوسية شرقًا.
هكذا هي العمارة الإسلامية، إنها عمارة متحولة متحورة باستمرار. بينما الطراز ثابت ومستقر ونهائي، واستخدام المصطلحات في غير محلها المناسب في العمارة ظاهرة متفشية إلى حد مقلق، وبالتالي يجب التحقق من المصطلح قبل استخدامه.
أستاذ العمارة والفن بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل