أهلًا بالعيد، رغم كل المشاكل والهموم التي تملأ الفضاء العربي، في العيد نرتدي الجديد، ونُعايد الأهل والمعارف، لكن لم نعُد نشعر بتلك الفرحة التي تُنسينا أحيانًا طعم النوم.
كان والدي «غفر الله له» يقضي وقتًا طويلًا من النهار وجزءًا يسيرًا من الليل في كسب قوته بتاكسي أجرة، ويغادر المنزل للعمل، وقد وعدنا نحن أطفاله بأن يصطحبنا إلى السوق؛ لكي ننتقي ملابس العيد..
مَن يسمع كلمة ملابس العيد يعتقد أن هناك سلسلة طويلة من المشتريات، والحقيقة أن كل ما في الأمر ثوب وطاقية زري للصبي، ودراعة ومخنق للفتيات، الشارع الذي كنا نذهب إليه هو كل السوق في الثقبة لا يزيد طوله على كيلو متر واحد في أحسن الأحوال، حيث تبدأ المحلات التي تبيع الملابس والأقمشة من مدخل السوق الرئيس من الجهة الجنوبية للشارع العام، وتنتهي عند حدوة سوق الخضرة وكبرة اللحامين والقصّابين.
المحلات التي تبيع الملابس تبيع كل شيء يُلبس للأولاد وللبنات، وحتى الأقمشة التي تُباع بالمتر للنساء، ويذهبن بها إلى الخياطة التي لا تخلو منها حارة.
في موسم العيد يفرش أصحاب المحلات على الرصيف أمام الدكان قصة سجاد أو مفرشًا قديمًا غالبًا يُسمى «كنبل»، وتوضع عليه الملابس بشكل عشوائي بمقاسات مختلفة للثياب والفنايل والسراويد والطواقي بأشكالها وألوانها.. ولأن بعض الكنابل يكون كبيرًا نوعًا ما، تسلّط عليها بالعادة لمبة كبيرة، أكبر من اللمبات التي بالحجم العادي أو الطبيعي التي ألِفَ الناس استخدامها في المنازل.. كل تلك الصور يستحيل أن تُمحى من ذاكرة الأطفال الذين يعودون محمَّلين بكسوة كاملة هي ككسوة العيد التي تبدأ من الطاقية التي تغطي الرأس إلى الحذاء الذي يتم تجريبه قبل لبسه صباح العيد عشرات المرات.
أصحاب المحلات يعيشون ويعيّشون الصغار في جو احتفالي، حيث يرددون كثيرًا من الكلمات، وبأصوات مرتفعة مثل قرّب.. قرّب... يا ولد أو عيّد يا سعيّد.. عيّد.. ويُعيدونها بشكل تلقائي وبدون انقطاع، وكأنهم يحمّسون الناس على الشراء، وفي ذات الوقت يروّجون لبضائعهم التي يُقبل الناس على اقتنائها في وقت قياسي.
ومن المشاهد التي لا تبرح ذاكرة الصغار اللقاء في السوق وهم بصحبة آبائهم بأطفال يعرفونهم في الحارة أو في المدرسة، هنا تتضاعف مشاعر الفرح عند الصغار، وكأنهم يقولون لأقرانهم أو لزملاء الدراسة ها نحن نتسوّق أدوات الفرح سويًّا.
من الليالي النادرة التي يتم فيها التسوق ليلة العيد وغالبا يتأخر المتسوقون إلى حدود الساعة العاشرة، ويعودون لمنازلهم للبحث عن نوم نادرًا ما يأتي قبل طلوع الصباح.
@salemalyami