@SaudAlgosaibi
يُقال في الأمثال «إن الإنسان عدو ما جهل»، وكذلك القهوة، فقد عانت من الجهل حتى أصبحت مشروبًا عالميًّا، ووصلت إلى ما وصلت إليه من الانتشار.
وقد قرأتُ بالقديم كتابًا مخطوطًا قديمًا ألف نحو قصة القهوة وتحريمها وحلها، كذلك أخذنا أثناء دراستنا الجامعية كجانب من دراسات الاقتصاد أن البريطانيين أول مَن اكتشفوها وزرعوها في مستعمراتهم. وربما أنهم بالفعل اكتشفوها كقومية من حداثة حضارتهم، ولكن سبقهم العرب من الاكتشاف، بل إنها نبتة طبيعية موطنها جبال السروات وما زالت.
وقد شاهدتها من قديم في مساقي الأودية في جبال غامد وزهران كنبتة رعوية في بيئتها الطبيعية.
ومن عجائب الزمان وغرائبه أن القهوة في بداية انتشارها تمّ تحريمها من قِبَل سلاطين آل عثمان بقطع رأس مَن يشربها إلى أن سمحت رسميًّا.
وما يُعلم عن القهوة أن أول استخدام شاع لها، جاء في مكة مع حاج اليمن، وما لبثت أن انتقلت إلى مصر ثم الشام ثم إسطنبول.
وتذكر الرواية الأوروبية عن تاريخ اكتشاف القهوة أن أحد الرعاة شاهد غنمه يلتهمون نبتة غريبة في إثيوبيا، وبدت عليهم مظاهر نشاط غير عادي. فأخذ منها هذا الراعي وسلّم منها إلى أحد القساوسة، والذي بدوره رماها بالنار، فظهرت منها رائحة طيبة. ووضعت في الماء وغُليت والبقية تاريخ. إلا أنهم يصرّون خطأ على أن مصدرها إحدى المناطق القبلية بأفريقيا، وربما أنهم يعنون أصل تلك النبتة التي نعرفها اليوم والقادمة من البرازيل.
إلا أن أقدم ذِكْر للبن معروف جاء عند الرازي بكتابه الحاوي، وقد ذكر أيضًا استخدامها عدد كبير من أطباء العرب الآخرين، فقال عن البن ابن البيطار «إنه ينقي الكُلى والمثانة ويزيل الحصى ويخرج الدود إذا أُكل مع العسل ومع بذور القرع، وإذا طُلي به الوجه أذهب بثوره».
وقال عنه داود الأنطاكي في تذكرته: «أهل مصر تسميه نخوة هندية وهو حب بلغ حجم الخردل قوي الرائحة والحدة والحرافة، ويسمى الكمون الملوكي، يحرق البلغم ويزيل الرياح والزغطة والنفخ، وأوجاع الصدر، وعسر البول، والحصى والغثيان، ويقول إذا غليت منه ملعقة أكل مع نصف لتر حليب، وملعقتي أكل سكر، وترك على النار حتى يتركز الحليب إلى النصف، وشرب على الريق فإنه يفتت حصى الكلى». كما ذُكِر أيضًا «أنه يحرق البلغم والرطوبات اللزجة في الصدر ويزيل صلابة الكبد والطحال والمغص وعسر البول. ينفع من الغثيان والجشاء والتخم وفساد الشهوة والحميات، ينفع من السموم مطلقًا والآثار طلاء بالخل، مع الملح والترمس والزعفران يسكن لسع العقرب، ويصلح الأرحام كيفما استعمل، ومسمن إذا شُرب مع الحليب والسكر بعد الأكل مباشرة».
أما ابن سينا بين القانون فيقول إنه «يفتح السدد وينفع من قيح الصدر وتقلب القلب، ينفع من رطوبات المعدة، ويسكن الغثيان وتقلب النفس. وهو جيد للمعدة والكبد الباردتين، يدر البول ويزيل عسره ويخرج الحصى، وينقي الكلى والمثانة، وينفع من الرياح والمغص، إذا بخر به الرحم مع الراتنج نقاه».
وفي كتب الفقه، جاء ذكر البن في كتاب «عمدة الصفوة في حل القهوة» للشيخ محمد بن عبدالقادر الجزيري في القرن العاشر الهجري، وكذلك كتاب «رسالة عن القهوة والدخان والأشربة المحرمة» للشيخ مصطفى الأقحصاري. وأيضًا «أرجوزة فى تحريم قهوة البن» للشيخ نور الدين العمريطي.
كما تغنى بالقهوة جملة كبيرة من الشعار في قصائدهم.
ونبتة البن نشهد اليوم لها انطلاقة وحياة جديدة من عودة إلى أصولها التاريخية من الاعتراف، حيث تكثيف زراعتها في الجنوب السعودي. ونتوقع لها أن تكون مستقبلًا أن ما زيد في رقعة المساحات المزروعة أن تصبح مكونًا رئيسًا في الاقتصاد المحلي لتلك المناطق.