@DrAlghamdiMH
• علينا العودة إلى تعظيم إمكانيات الطبيعة لبلادنا. هبة الله لخلقه. وصلنا مرحلة تقمّصنا فيها دور الحضارة الغربية بإنهاء الاعتماد على مياه الأمطار. بلادنا جافة شحيحة الأمطار. ورغم ذلك كانت تعتمد عليها حياتنا، ونشاطنا، وبقاؤنا بشكل مباشر. فكيف استطعنا إنجاز ذلك؟ وهنا مربط الفرس، كما تقول العرب. كان الناس يعتمدون على إمكانية البيئة وحدها. وكانت مستوطنات الناس في شبه الجزيرة العربية تتركّز في المناطق المطيرة، ومنابع المياه التي شكّلت الواحات كموطن. هذا بعكس البيئة الغربية الغنية بوفرة الماء الذي جعل البيئة معطاءً على الدوام. كنتيجة تفرّغوا لمهام أخرى ساهمت في جعل الحضارة الحالية حضارة صناعية.
• في ظل غياب وفرة المياه السطحية، كتب الله بالمطر بقاءنا في شبه الجزيرة العربية عبر التاريخ. وبتراكم خبراتنا ومهاراتنا استثمرنا هذا المطر لخدمة بيئتنا وأجيالنا. كان ذلك حتى عهد قريب لا يتجاوز السبعين عامًا، خاصة في منطقتنا المطيرة في الجنوب الغربي من المملكة. موطن الخزان الإستراتيجي للمياه الجوفية المتجددة، والكثافة السكانية العالية عبر التاريخ؛ ما جعلها خزانًا بشريًّا إستراتيجيًّا فاض على المملكة بالخير والعطاء.
• السؤال: لماذا لم تعُد حياتنا تعتمد على مياه المطر؟ سؤال يشرّع للصمت ويطلق العنان لسيادته. يسود الصمت كلما كان السؤال يوحي ويقول. لوازم تأثيره تؤكد أنه يحذر وينذر، ويذكّر بأهمية المطر ويؤكدها.
• نعيش مرحلة التغيير في نمط حياتنا. ونرى أن العودة إلى الخلف مستحيلة. معها لم تعُد حياتنا متوقفة على جهد ونشاط الفرد البيئي وتفاعله ووقوفه بجانبها. تلك حضارة مضت. أطلقت عليها: حضارة الرمق الأخير. لم تعُد حياتي كفرد تعتمد على نزول المطر. كل شيء تغيّر. كنا نستوطن قارب البيئة، نُبحر بحياتنا عبر إمكانياتها. سخّرها الله لنا، وسخّرنا لخدمتها. وبقدر عطائنا وتفاعلنا مع البيئة تأتي المكافأة مطرًا يسقي الجميع، ويكتب للجميع البقاء. حياة التعايش والتكافل بين الإنسان والبيئة كانت جذورا أصيلة. عملت على بقائنا عبر التاريخ في شبه الجزيرة العربية الجافة.
• لماذا غابت البيئة عن اهتمامنا ورعايتنا؟ ما الذي تغيّر؟ سؤال جوابه سهل ممتنع، كما تقول العرب في وصفها المؤدب أثناء تجاوز خطوط المحاذير. ما الذي جعلنا نهجر البيئة؟ لماذا لم يعُد لنزول المطر أي تأثير مباشر على حياتي كفرد؟ كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟ لماذا الاستغناء عن المطر؟ ما الذي أوصلنا مرحلة تجاهل أهمية المطر؟ أيها الإخوة العرب «حفظكم الله» إن الماء ليس للشرب فقط، لكنه أهم للبيئة. فهي بحاجة إلى أن تشرب هي الأخرى. إذا كنا نستطيع تأمين شربنا عن طريق صناعة أعذبة مياه البحر المالحة، فهل يتحقق ذلك للبيئة بكل مكوّناتها الحية؟
• الزيادة السكانية أحد أهم أعظم التحديات التي نواجهها. تفرض هذه الزيادة زيادة أخرى في الموارد لمواجهة نمو احتياجات وطلبات هذه الزيادة السكانية. نحن قادرون على زيادة أي شيء، باستثناء شيء واحد، يقف متحديًا الجميع. إنه الماء أيها الإخوة. كيف نزيد موارده في ظل ندرته في بلادنا «حفظها الله»؟، كل زيادات الموارد الأخرى تعتمد عليه. فكيف نحقق التوازن بين نُدرته وبين زيادة الطلب عليه؟ هذا ما أتحدث عنه في جميع كتبي عن الماء.
• ليس هناك مناطق صحراوية في العالم الغربي، صاحب الحضارة الصناعية الحديثة. الغرب أكثر أجزاء العالم وفرة بالماء والموارد المائية العذبة. بسبب هذا قامت حضارتهم صناعية. ورغم تلك الوفرة المائية، جاءت بصناعة أعذبة مياه البحر المالحة. لماذا؟ سؤال أكرره ألف مرة. سؤال من كلمة واحدة، لكنها تعطي أبعادًا تشكّل عواصف من التفكير والتحليلات والاستنتاجات. يمكن تأليف المجلدات بحثًا عن الإجابة وحقيقتها الغائبة الحاضرة. ويستمر الحديث بعنوان آخر.