يبدو أن ذوق الناس ذاهب إلى التشابه والتشبّه في العالم، وذلك يبيّن لنا مدى تأثير التطبيقات الاجتماعية والخدمية العامة على مواقع التواصل وقدرتها على تعميم ثقافات معينة، وسلوكيات بعينها، وأيضًا قواعد عامة، ولكن السؤال: ما قوة تأثيرها على عمليات الاستهلاك والتجارة؟
في ظل انتشار شبكات التواصل، باتت هناك ثقافة متشعّبة بين الطبقات المختلفة للأفراد - أتنبأ منها أن تلغي الطبقية في الأجيال القادمة -، فتأثيرها أقوى من التربية والعائلة والمدرسة والمعلمين والمجتمع وأعرافه، ويمكن ملاحظة تأثيرها على الذوق العام العالمي، فمتابعة شخصية عامة على شبكة التواصل العالمي في جميع أنحاء العالم لا تعني فقط مدى شعبيته، ولكن تعني مدى تأثيره على مستويات مختلفة وبيئات متنوعة وثقافات عامة، ومدى تأثر هذه الشخصية بشخصية لديها قاعدة جماهيرية أكبر، ومحاولة تقليده، على الرغم من اختلاف الثقافات والديانات، وتعميمه على الجماهير الواسعة، وبالتالي ما لهذا التأثير من صيت حين يقوم بإعلان عن منتج ما أو يلاحظ متابعوه استخدامه لسلعة معينة، فيقومون بشرائها واستخدامها بقناعة، فترجّح الدراسات أن تأثيرهم أقوى من تأثير الجماعة والدائرة المقربة للمستهلك حين كان مستهلكًا كلاسيكيًّا كالأصدقاء والعائلة والمقرَّبين والمحيطين به، بل أضفت ثقافة خارجية جعلت لديه اتساعًا معرفيًّا أكثر شمولية في فهم ما يُقدّم إليه، ولكن بإدراك أقل مستعينين بثقة صنعتها الألفة من خلال متصفح أو شخصية خلف شاشة الهاتف يراها باستمرار.
هذه الثقافة الآخذة في الانتشار بسرعة هي في الحقيقة لها تأثيرها الكبير على القيمة التجارية، وعلى المجتمع الاستهلاكي برمّته، فقد تُخِل بالموازين التقليدية، وقد تثبت القيم القديمة أنه لا توجد قوانين، والأكثر من ذلك، فلأنها تغيّر ذوق ومزاج الأجيال بطريقة يمكن رؤيتها وتلمّسها، لتعلم أنها مثل الاستعمار الإلكتروني الذي يجب أن تتعامل معه أو تقاومه، ولا نفع من المقاومة حين يكون التأثير سالبًا في محيطك كله، بلا استثناء لأي فرد من أي جيل.
ويبدو أن تحكّم العاملين على مثل هذا النوع من البرامج من خلال ملفات تعريف الارتباط والتجسس على تصفح الأفراد، يمكنهم توجيههم وجرّهم إلى شخصيات وسلع وشركات يموّلها المعلنون، ترضي ذوقهم، وبالتالي متابعتهم؛ ليدخلوا على قائمة تسوُّقهم لأسواق جديدة فيها ما يرضيهم، إنها لعبة التجارة الإلكترونية، التي تغيّر ليس ذوق المستهلك، ولكن شبكته التسوقية، ونمطه الشرائي، وبالتالي تتحكّم في مزاجه العام، وتؤدي إلى تغيير قِيَمه الاجتماعية والمالية والسلوكية وحتى النفسية، بجعله ينفق أمواله فيما يتم توجيهه إليه، وهنا نلاحظ تغيّر نمط سلوك المستهلك بنقلة نوعية من مستهلك تقليدي إلى مستهلك جديد، يُشعره ذلك بأنه شخص مسؤول يمكنه ابتكار عمليات شراء وصناعة ذوقه المحايد بثقةٍ عالية، ولا يدرك أنه محاصر ليمضي بهذا الطريق، والنتيجة هي تقارب الذوق العام العالمي بشكل متطابق ومتجانس تقريبًا، ومثلما قال المؤرخ الأسكتلندي نيال فيرغستون: «إن المجتمع الاستهلاكي واسع الانتشار اليوم لدرجة أنه من السهل الافتراض أنه كان موجودًا دائمًا، ومع ذلك، فهو في الواقع أحد أحدث الابتكارات التي دفعت الغرب إلى الصدارة على البقية، وأكثر ما يلفت الانتباه هو جاذبيته التي لا تقاوم على ما يبدو، والنتيجة هي واحدة من أعظم المفارقات في التاريخ الحديث: أن النظام الاقتصادي المصمم لتقديم خيار غير محدود للفرد قد انتهى به الأمر إلى تجانس البشرية» وهذه حقيقة.
وهذا التجانس جعل مقوّمات البيع وتفاضل السلع والتنافسية محدودة في المجتمع الاستهلاكي العالمي لدرجة يمكن «تقبّلها» وفيها حتى قيم مثل الكفاءة والشفافية والجودة يمكن تخطّيها.
@hana_maki00