بعد نشر تقرير وزارة التجارة الأمريكية يوم الخميس الماضي، معلنة أن الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الأمريكي نما بمعدل سنوي قدره 1.1٪ فقط خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، مقارنة بنسبة 2.6٪ سُجلت في الربع الأخير من العام المنصرم. يبدو أن الاقتصاد الأمريكي تجاوز مشكلة كانت ستكون كبيرة، على الرغم من مواجهته لأعتى أكبر الأزمات وهو «التضخم»، وما آلت إليه المعالجة والإجراءات من أزمات متتالية كان آخرها أزمة المصارف والتي تنبأ لها أن تكون مشابهة لمثيلتها في العام 2008، ولكن قد نَجا من تداعياتها، ومن ركود كان يتوقع له خبراء السياسات الاقتصادية الأمريكية أن يحدث مطلع العام 2022. ونسبة النمو 1.1% هذه، قسمت خبراءها قسمين، أحدهما يصر على الدخول في حالة ركود - حتى وإن كانت معتدلة - ويسمي النمو تباطؤا، والآخر يرى أن هذه النسبة كفيلة بانتشالهم من عنق الزجاجة، وهي ليست مجرد نسبة إنما تدلل على القدرة على تجنب الركود تمامًا في الأشهر المقبلة، وأنهم في لحظة محورية، ينتظرون أن تظهر لهم الأشهر القادمة مدى تأثير ورجع ما حققته الزيادة في أسعار الفائدة الفيدرالية على اقتصادهم. ليبدأ المتطيرون في بث تشاؤمهم ناسين أن أزمتي التضخم والمصارف لم تسببا انتكاسة وارتدادهما لم يكن كبيرا، وإن كانت أزمة المصارف لم يتم تجنبها كاملة، ولكنها قد مرت مرورا عابرا جارفة معها كل ما اهتز ولم يثبت ولكنها لم تصطدم بعد.
وذلك تأكيد على أننا لسنا في زمن الأزمات والانتكاسات الاقتصادية العالمية، ويمكننا تجاوز كل مشكلة حتى لا تتحول لركود وتصيب الاقتصاد بمقتل وتشكل أزمة دولية، بل نحن في عصر لم يعد فيه تدويل الأزمات المحلية، التي تظل محلية حتى تنتهي.
غير أن الاقتصاد الأمريكي ليس في أحسن حال، لذا يساورهم القلق، فالأسواق الأمريكية مترنحة وفق المصطلح الذي يصف به الإعلام الأمريكي اقتصادهم، ومن المتوقع أن يفقد الاقتصاد المزيد من القوة في الأشهر المقبلة حيث يؤثر ارتفاع الأسعار وارتفاع أسعار الفائدة على حياة الناس والعائلات وأعمال الشركات والأسواق، ليكون العلاج الذي تم ضخه على جرعات لمقاومة التضخم، هو ذاته الذي لا يزال يرتد بسلبياته على الاقتصاد. كما ويتنبأ بركود «معتدل» في الأشهر القادمة جراء ذلك، فالتشاؤم محرك التوقعات ولا تعرف لم الإصرار على الضبابية وجعل الأمر محبطا والإصرار على أن الأسوأ قادم، ولكن من المحمود في الاقتصاد توقع الأسوأ فذلك يعطي صوابية في معالجة الاقتصاد، بل أكبر اقتصاد نشط، يجعل الناس تتأهب، ويدير مخاطره كإستراتيجية قيدية بالذات في قطاعات الأعمال والبورصات.
يعول الأمريكيون على صحة سوق العمل لديهم وازدهاره لتعافي اقتصادهم، لو ذلك صحيح فهو مركز الدورة الاقتصادية، وتنشيطه بداية التعافي لا شك في ذلك، فدليل صحة الاقتصاد وعودة عافيته تكمن في نشاط السوق وسيولته وتحقيق الوفرة فيه، لذا فإن الإنفاق هو المحرك الأكبر للاقتصاد الأمريكي وهو وسادته الآمنة، وقد سجل الإنفاق الشخصي نموا بمعدل سنوي قدره 3.7٪ في الربع الأول من هذا العام، مع زيادة الإنفاق على كل من السلع والخدمات، وهذا ما يحصن الاقتصاد من أي ركود إذا تحسنت هذه الدائرة.
الاقتصاد الأمريكي مثال حيّ على أن مقاييس وأدوات التقلبات والأزمات والنمو والركود قد اختلفت، لذا فإننا في مرحلة بات الفرد هو من يستطيع الحفاظ على اقتصاد متوازن وليس العكس.
@hana_maki00