كثير من المهن اليدوية تواجه خطر الاندثار وسط التطور التكنولوجي الهائل، الذي يهدد بزوال الحس الإبداعي الإنساني الذي يبذله الصانع اليدوي، ومن بين تلك المهن التي تعاني: الحدادة، والتي يتميز محترفوها بدقة الصقل والتشكيل.
عدسة "اليوم" حاورت عددًا من الحدادين الذين تحدثوا عن سر الصنعة وفنونها.
مطالبة بإنقاذ الحدادة
يقول "الجارودي" إنه احترف الحدادة قبل أكثر من ربع قرن، وطالب البلديات بإقامة موقع يجمع كل الحرفيين في محلات مرخصة بإيجارات رمزية، بحيث تكون مساحة المحل على أقل تقدير 24 مترًا مربعًا، وأن تكون هناك ورش في المحل، قائلا: "لا نريد محلات لعرض منتجاتنا فهذا الأمر لا ينفعنا".
وأضاف: "مهنة الحدادة تعتبر أم المهن والحرف، وأسلحتها المطرقة والنار والصبر والتحمل، فلا تستغنى عنها أي مهنة، فزوار محلاتنا من يعمل بالزراعة، والعديد من المهن الأخرى، وتعتمد هذه المهنة الشاقة التي عزف عنها الجميع، ولم يقبل بها إلا القليل، على معالجة المواد الصلبة وصقلها وتحويلها إلى أداة تحتاجها كثير من الحرف الأخرى".
ولفت الجارودي، إلى أن استمرار البعض في ممارسة تلك المهنة يعود لكونهم ورثوها من آبائهم وأجدادهم حتى لا تختفي هذه المهنة، ففي محافظة القطيف لا يوجد سوى 5 محلات فقط للحدادة، مطالبا بالحفاظ عليها من الاندثار وتنميتها بإيجاد سوق للحرفيين.
ألوان الحديد
ويقول الحداد عبدالعظيم محمد الجنبي، لـ"اليوم"، إنه ورث هذه المهنة من أبيه وجده، ويعمل بها منذ 35 عاما، مضيفًا: "نحن نعيش موسم المنجل، فأكثر زبائنا هذه الأيام يطلبون إصلاح المنجل الذي يستخدم لكرب النخل".
ويكمل "الجنبي"، إن الحداد يحتاج إلى قوة في جسمه كبيرة، من أجل الطرق وتشكيل الحديد الصلب وتحويله إلى أداة مفيدة، ويتم من خلال الحدادة إعداد الأدوات مثل العمود والسخين والمحش والسكين.
ويوضح أن اللون يعد عاملا مهما للدلالة على درجة الحرارة فنجد اللون الأحمر ثم يتحول إلى البرتقالي وبعدها إلى الأصفر وثم الأبيض، لافتا إلى أن قابلية تشكيل الحديد والمعدن يعتمد على هذه الألوان، والوصول للسخونة المثالية هو الوصول إلى اللون الأصفر البرتقالي.
وتضيف: "عملية تشكيل الحديد أو المعدن بعد السخونة بواسطة الطرق حتى يصبح المعدن لينا بعد وضعه في النار ووضع الفحم بما يكفي ليتم تشكيله بأدوات الطرق المطرقة والتي تكون في الأغلب وزنها بين 200 و5 كيلو جرامات، لإنتاج المنتج النهائي وتهذيبه بحيث يخرج بالشكل المطلوب.
نقص الأكسجين
وقال "الحداد" علي عيسى أبو اسعيد، إنه يعمل مع إخوانه الثلاثة في الحدادة إذ يساعدون أبيهم، ولديه خبرة 15 عاما في الحدادة.
وبين أبو اسعيد: "نعمل مع والدي للحفاظ على تراث الآباء والأجداد، فأبي ورث هذه المهنة من جدي، ونحن نعمل فيها حتى لا تنتهي وتزول من مجتمعنا. علما أن مهنة الحدادة مهنة تحتاج إلى الصبر والمهارة، فهي تتعامل مع النار وينقص فيها الأكسجين بسبب الغازات الضارة الصادرة من النار ويزداد الأمر سوءا في فصل الصيف، وكثيرا ما يصاب العامل فيها بالإرهاق بسبب الجهد العالي".
زبائن الحدادين يتحدثون
وقال المرتاد على ورش الحدادة عدنان باقر، إنه يأتي إلى سوق الحدادين ، ويتابع أعمال الحدادين، مؤكدا أنها مهنة متعبة، وأنهم بحاجة إلى سوق للحرفيين كما هو في الأحساء، وبذلك نحافظ على هذه المهنة والحرفة من الاندثار .
وأشار المهندس الزراعي حسن عدنان المغاسلة، إلى أن أكثر ما يحتاج المزارع في هذه الأيام هو المنجل، حيث يتعرض للعطب والتلف نتيجة للاستخدام الخاطئ، مما يجعلنا نرتاد كثيرا إلى ممتهني الحدادة، لتعديل المنجل ، فنحن المزارعون لا نستغني عن الحداد، ونأمل من المسؤولين أن يحافظوا على هذه المهنة بتيسير أعمال الحدادين بجمعهم في سوق للحرفيين.