كم تأخذنا الأيام على غفلة من إدراكاتنا، نبتعد عن أمور عديدة، بعضها قد يكون ذا أهمية متوسطة لنا لكنها مهمة لمن حولنا.
نغوص في دوامة عميقة من الانشغال أو اللامبالاة والانغماس في شؤون تنسينا العودة إلى أنفسنا والاختلاء بها قليلا بعيدا عن الضجيج وزيف الحياة، ننسى ماذا نحب وكيف تكون لنا المساحة الخاصة بنا بمعزل عن الروتين اليومي، نتشاغل في دنيانا بآلامنا وجراحنا لدرجة تفقدنا تلك الاهتمامات الصغيرة.
بدأت أبتعد قليلا عن الرياض - مكنوني وملهمتي - عندما أتذكر نفسي وواجبي عليها وكم أرهقتها بأمور شتى.. وألوذ فرارا منها إلى المنطقة الشرقية للمملكة الحبيبة، تحديدا تلك المدينة التي وجدت فيها ضالتي.. مدينة الخبر، أجد كياني وأختلي بنفسي بعيدا عن ضجيج عاصمتنا السريعة، أميز الخبر بشوارعها الفسيحة وأحيائها الصغيرة الحديث منها والشعبي والمميز فيها تقاربها من بعضها البعض، يقال كل الطرق تؤدي إلى روما - ومع أنني لم أزر روما لكنني سمعت عنها من والدي - إلا أنه قد ثبت لي أن طرق الراحة والهدوء والتصالح مع النفس تؤدي إلى تلك المدينة الوديعة - الخبر - لأنك ومن المستحيل أن تضيع بها، ولا أتردد بالتعلق بأبي إن استشارنا في الذهاب إليها، فعندما تزورها للمرة الأولى - سياحة أم عملا - وتأخذ في السير على دروبها ستأسرك.. بداية من ترتيب ونظافة الشوارع وحتى التزام أهلها بنظام السير - مترجلين أم قائدي مركبات - فما أن «تعتاد» السفر إليها مرة ومرتين حتى تحفظها تلقائيا ولو كنت فاشلا بحفظ الطرق، ولي إطراء لأهلها لكنني احتفظت به تجنبا لوصفه بالمراءاة.
أكتب هذه الكلمات وأنا مبحرة بأفكاري أمام البحر وأتأمل الناس من حولي ولكل منهم أمر يقوم به.. فكرا ذهنيا يشغله أو مجهودا رياضيا أو تنزها عائليا، ولا أشعر بالوقت وقدماي تسيران بين ممراتها أتابع بعيني طيور النورس البيضاء وتطرب أذناي بشدو عصافير الشاطئ.. ها أنا على غفلة مني أسطر كلمات إطراء كأنها بداية علاقة مع مدينة تريد مشاركة مدينتي الرياض في العشق.
كانت أمي محبوبتي - يرحمها الله - تعشق البحر بلونه الساحر وغموضه الجاذب وحديث أمواجه وتقول إنه علاج فعال لقلق القلب وتهدئة للنفس وصفاء الذهن يمدنا به الخالق تعالى كإحدى أنعمه علينا.