محطة مهمة في حياة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش أغفلتها الصحافة حتى صدور كتاب "المتن المجهول"، الذي يلقي الضوء على 3 سنوات قضاها الشاعر الشاب حينها، في مصر.
يقول مؤلف الكتاب، الصحفي المصري سيد محمود، في تصريحات خاصة لـ"اليوم"، إن مصر محطة مهمة في حياة محمود درويش، إذ كانت أول بلد استقر فيه بعد خروجه من فلسطين، وتمثل فترة إقامته في مصر متن مجهول بالفعل في الكتب والصحافة.
كتاب "المتن المجهول"
أضاف "محمود" الذي يناقش مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث في البحرين كتابه "المتن المجهول.. محمود درويش في مصر"، أن الكتاب استعرض الصفقة السياسية لمجيء درويش إلى مصر، قائلًا: "الدولة المصرية نجحت في استقدام محمود درويش من موسكو واستعادة دورها السياسي عقب نكسة عام 1967 في المنطقة العربية باحتضانه ثم تعيينه في صوت العرب".
ويتضمن الكتاب وثائق ونصوص نادرة عن الفترة التي قضايا الشاعر الفلسطيني الراحل في مصر بين عامي 1970 و1972.
تحدث سيد محمود عن فكرة الكتاب التي ركزت على الأسباب التي دفعت النظام السياسي في مصر عقب النكسة إلى تبني شاعر فلسطيني شاب ينتمي لعرب 1948، ولماذا جاء إلى القاهرة في صفقة أشبه بالسرية؟ وكيف أثرت الصفقة في حياة وشعر درويش، أحد أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب، الذي ولد في 13 مارس 1941 ورحل في 9 أغسطس 2008.
محمود درويش في مصر
عن الصفقة السياسية لمجيء درويش، أكد سيد محمود، أن الدكتور مراد غالب كان وراء الفكرة، ويقال إن جمال عبد الناصر قابل محمود درويش خلال زيارته السرية إلى موسكو، وأن الرئيس المصري الراحل قدّم له دعوة للإقامة في القاهرة حسب إحدى الروايات، ورواية أخرى تؤكد أنه تابع خروجه ودعوته للإقامة في مصر عبر مساعديه.
مراد غالب طبيب ودبلوماسي مصري كان ضمن فريق العمل مع الرئيس جمال عبد الناصر، وكلف بتولي مكتب إفريقيا لفترة طويلة وكان طرفا أساسيا في أزمة زئير الشهيرة وعندما تعقدت الأمور أرسله عبد الناصر في موسكو، وكان له مزاج أدبي ويقيم صالون شهير فتعرف على الشاعر محمود درويش وعرفه على الكثير من الدوائر.
3 سنوات لدرويش في مصر
تطرق سيد محمود بشكل أعمق عن فترة إقامة درويش في مصر التي دامت 3 سنوات إذ جاء في فبراير 1971، وأشار إلى أنه جرى تعيينه في إذاعة صوت العرب واقتصر دوره على بعض الحوارات، لكنه نشر بانتظام مقالات في دار الهلال، ونشر ديوان في المؤسسة نفسها عندما كان كامل الزهيري رئيس مجلس إدارتها، كما خصصت له مساحة واسعة في الشأن الإسرائيلي في الأهرام، كل ذلك ولم يبلغ درويش 30 عاما من عمره.
وأوضح أنه لدى وصوله إلى القاهرة رتبت له رحلة استجمام في الأقصر وأسوان، ووصلت الحفاوة أن وزير الداخلية المصري آنذاك، شعراوي جمعة، رحب به بالنهوض من على كرسيه أثناء مأدبة الغداء التي أعدت للاحتفال به، وقال محمود: "مثير المشهد الذي يجعل وزير داخلية مصر، يرحب بشاعر ترحيباً حانياً، علاوة على احتفالية أخرى بعيد ميلاده، أقامها أحمد بهاء الدين، ودعا إليها رموز النخبة المصرية آنذاك، وأرسلت إليه فيها الفنانة نجاة باقة ورد أرفقتها ببطاقة رمزت فيها لاسمها بالحرف (نون)".
وعن تأثير هذه الفترة في حياة درويش الشعرية والأدبية، يقول سيد محمود: "صدر له ديوان واحد لكنه كان الطبعة الشرعية الأولى للشاعر الفلسطيني الذي عرفه الوسط الثقافي المصري من كتاب الناقد الراحل رجاء النقاش عن شعراء الأرض المحتلة، ومن بينهم محمود درويش وسميح القاسم".
وأوضح سيد محمود أن الكتاب أوضح كيف احتضن الكاتب أحمد بهاء الدين، درويش الذي اعتبره أباً روحياً في مصر، بديلاً عن راعيه في فلسطين الروائي إميل حبيبي، كما عيّن درويش مستشاراً بإذاعة "صوت العرب"، كما عيّن صحفياً بجريدة الأهرام براتب 140 جنيهاً شهرياً.
وتطرق الكتاب إلى التغيرات السياسية التي أثرت على استمرار درويش بالقاهرة بعد التحول الذي حدث عام 1971 وتغير بوصلة الرئيس أنور السادات السياسية الداخلية والخارجية، لينتقل بعدها درويش إلى ما يسميه المؤلف "متحف الخالدين" بالدور السادس بصحيفة الأهرام، وكان يضم توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس، ولويس عوض، والدكتور بطرس غالي، وبجوار راعي درويش، أحمد بهاء الدين، وغادر في صيف 1972 لينتقل بعدها إلى "مركز الدراسات الفلسطينية" في بيروت.