رأيت قناة على اليوتيوب لشخص يفتخر بكثرة أكله، ولا تتوقف الدعايات في شوارعنا وجوالاتنا عن الإغراء بما نُدخله بطوننا، بينما لا تكاد تجد دعاية واحدة عما يهم عقولنا، والمطاعم اليوم تتقدم وتعمل على مدار 24 ساعة، بينما المكتبات تتقهقر، ولا نكاد نجد مؤسسة تجارية جديدة تفتتح، وتهتم بالفكر وتنميته، هل هذا هو الصواب؟!
ديننا وفطرة البشر وتاريخنا والمصادر الطبية تقول: إن هذا ليس هو الصواب، ولا يمتدح الإنسان بكثرة أكله أبدًا!
ففي الحديث الشريف يقول رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: «المؤمن يأكل في معيِّ واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء» ويقول «صلى الله عليه وآله وسلم»: «ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًا من بطنه، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، ثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه»، ويقول الفاروق عمر بن الخطاب «رضي الله عنه»: إياكم والبطنة، فإنها ثقل في الحياة، ونتن في الممات، وقال لقمان لابنه: يا بُني، إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة، وذكر ابن المقفع: كانت ملوك الأعاجم إذا رأت الرجل نهمًا شرهًا أخرجوه من طبقة الجدّ إلى باب الهزل، ومن باب التعظيم إلى باب الاحتقار. وتقول العرب: أقلل طعامًا تحمد منامًا، وكانت العرب تعير بعضها بكثرة الأكل.
لذا لطفًا بنا وبصحتنا وبأجيالنا، فكثرة الأكل ليست مَحمدة، وكثير الأكل لا يمكن أن يكون قدوة، وكم نتمنى تقنين ذلك ومتابعته، سواء لما يبث على مواقع التواصل أو فيما يملأ شوارعنا، ولا أرى من الجميل أن تستقبل المدينة زوارها بما تأكل أو بما تشرب.
وأختم بقصة ذَكرها أحمد الشرواني في نفحة اليمن فيما يزول بذكره الشجن: قيل نزل رجل من الأكّالين بصومعة راهب، فقدّم له أربعة أرغفة، وذهب ليحضر له عدسًا فحمله وجاء به فوجده أكل الخبز، فذهب وأتى إليه بالخبز وحده، فوجده أكل العدس، ففعل ذلك معه عشر مرات، فسأله الراهب: أين مقصدك؟ فقال إلى الري، فقال له: لماذا قصدت؟ قال بلغني أن بها طبيبًا حاذقًا أسأله عما يصلح معدتي فإني قليل الاشتهاء للطعام، فقال له الراهب إن لي إليك حاجة. قال وما هي؟ قال إذا ذهبت وصلحت معدتك فلا تجعل رجوعك إليّ ثانيًا.
@shlash2020