إن عملية الإجلاء الإنسانية التي قامت بها المملكة العربية السعودية خلال الصراع الدائر حاليا في السودان تعتبر مثالا حيا على أن الاعتبارات الإنسانية لدى المملكة هي من الأوليات الهامة ليس فقط لسلامة مواطنيها، بل تعدت ذلك لتشمل الإنسان بصفة عامة.
والذي يتابع الأرقام يجدها تؤكد أنها بعيدة كل البعد عن الأنانية أو العنصرية أو الطائفية أو المذهبية أو العقائدية، فهي عملية إنسانية بحتة، فقد أعلنت سابقا وزارة الخارجية السعودية أن إجمالي من تم إجلاؤهم من السودان وصل إلى (5629) شخصا، بينهم (239) سعوديا. بمعنى ما يقارب (4%) سعوديون، والباقي هم من أكثر من مائة دولة شقيقة وصديقة، أي عملية الإجلاء شملت أشخاصا من معظم دول العالم. وهذه الأعداد والأرقام ربما في تزايد خلال الأيام القادمة.
ليس المقصود من هذا الكلام أن السعودية تتباهى أمام الناس بالأعمال الإنسانية التي تقوم بها حول العالم في مختلف المجالات (وهي موثقة ومعلومة وحقيقة) ولكن المقصد أن البعض قد لا يرى ذلك واضحا! فقد يكون قد أعماها الحقد والحسد (نعوذ بالله من شر ذلك) أو لديه أجندات أخرى لا تفقه أن الإنسان يأتي أولا.
إن الإعلام اليوم أصبح وسيلة مهمة للغاية، والبعض من الناس للأسف لا يرى إلا جانبا واحدا معينا ويركز عليه وينسى أو يتناسى عمدا الجوانب الكثيرة الحسنة، وقد جاء في الحديث النبوي الشريف: «يبصر أحدكم القذى في عين أخيه وينسى الجذع في عينه» القذى وهو ما يقع في الشراب من تراب أو وسخ. والجذع هو الخشبة الكبيرة العالية. وهذا الحديث ينطبق بوجه عام على الأفراد والجماعات والمجتمعات، وحتى على مستوى الدول.
والأمر الآخر أن المملكة لا تقوم بهذا من أجل أن تردد: فعلنا وفعلنا، فليس تلك من شيم الكريم، ولا من عادات العرب في شيء، بل هي كانت ولا تزال تفعل الخير والعمل الإنساني منذ نشأتها حتى صار ملازما وأصيلا فيها، ثم تمضي قدما ولا تلتفت لما يقال. ولكن بين الحين والآخر لابد من تذكير الغافل أو المتناسي أو المسيء! لأن العالم اليوم يتابع كل شيء، وفي كل وقت عبر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة. بالإضافة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي صارت تدخل كل غرفة وزاوية من البيوت، بل بالأصح صارت تعشعش في عقل كل إنسان على هذه المعمورة. من أجل ذلك صار من المهم إظهار العمل الإنساني والخيري لأن البعض من الناس حول العالم قد لا يسمع ولا يرى إلا من جانب واحد فقط، ولم يبصر الصورة كاملة وواضحة أمامه.
وبناء على ما أسلفنا، يأتي دور الإعلام بمختلف أشكاله وصوره المرئية والمسموعة والمكتوبة مذكرا بما تقوم به السعودية من أعمال جليلة وإنسانية في مجالات شتى ومتنوعة، وهو أيضا من باب التشجيع والمنافسة في العمل الإنساني على مستوى العالم أجمع. والمتتبع لما يقوم به على سبيل المثال مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية سيجد أن الرؤية واضحة تماما وهي: «أن نكون مركزا رائدا للإغاثة والأعمال الإنسانية وننقل قيمنا إلى العالم». والأرقام والإحصائيات والمشاريع تتحدث عن نفسها، وهي شاهد عيان لما تم القيام به في كثير من الدول حول العالم.
إن السعودية والعمل الإنساني صنوان، وأنموذج مشرف، وهي بعيدة كل البعد عن الدوافع الأخرى (البروجماتية) في الأعمال الإنسانية والإغاثية حيث يمتد أثرها إلى معظم دول العالم حين تقع الكوارث الطبيعية، والأزمات الإنسانية، والنزاعات والصراعات الإقليمية والعالمية. فهي كانت ولا تزال من السباقين إلى المساعدة والنجدة ومد يد العون بلا توان، ونور الشمس لا يغطيه الغربال!
@abdullaghannam