يذكرنا الأول من مايو بأن «العمالة الوطنية» أهم دعائم الاقتصاد في أي دولة ويجب أن يتم الحرص على جعلهم أولوية في الخطط المستدامة، إنهم معول الاقتصاد وكتف البلاد، ولا يمكن بأي حال أن ينجح اقتصاد محلي لم يستثمر في الأيدي العاملة المحلية، لذا إصلاح سوق العمل الأكثر جدوى في عملية الإصلاح.
وبالمقاربة فإن أنجح مشروع توطين للوظائف في المنطقة هي التجربة السعودية، إذ يلخص لنا قصة نجاح ويؤكد على أن الاستثمار الحقيقي هو في القوى العاملة المحلية وإخلاصها وولائها. وللعمل على تطويرها وجعلها أولوية في سوق العمل المحلي وفرض القوانين والتشريعات. فتوظيف «المواطنين» يحرك كل عجلة واقفة في الأسواق وينشطها ويعمر البلاد ويدير الرساميل ويحد من التحويلات المالية وهجرة العقول، ويسهم في السلم الاجتماعي والاستقرار ويزيد البلد رخاء.
في وقت مضى، تصدرت دول عربية وخليجية نجاحا في «برامج التوظيف» ولكن سرعان ما ضاعت جهودها بعد تشتت أهدافها ولم تعد الأولوية هي توطين الوظائف بل تقليص النسبة والتستر على الأرقام التي تكشف ارتفاع أعداد العاطلين، وترتب عليه ازدياد الفجوة التي تكبر في سوق العمل المحلي وتهدد السلم الاجتماعي والاقتصادي.
في المقابل اتجهت المملكة العربية السعودية ومن خلال رؤيتها المستقبلية على تحقيق إستراتيجيتها وهي الاعتماد على المواطن في سوق العمل بل وكان هدفها الواقعي والمحدد تقليل نسبة البطالة بحلول 2030 من 11.6% إلى 7%، وصبت كل جهود وزاراتها وهيئاتها الخدمية لتحقيق هذا الهدف، ولعل أهم الجهود وأبرزها وأكثرها نجاحا هو ضبط وتصحيح أوضاع العمالة غير النظامية «السائبة» ومعاقبة المخالفين للأنظمة التي وضعتها وزارة العمل سواء للعاملين المخالفين أو من يتكفل بهم. سيؤدي ذلك إلى «تنظيف» سوق العمل من أكبر شوائبه التي تحول دون تنمية القطاع الخاص وتهيئته ليكون بيئة عمل لائقة لتوطينه.
كذلك، الاهتمام بالمشاريع الصغيرة الوطنية والأسر المنتجة بجدولتها في المشاريع الكبيرة، ويلعب «قطاع المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر» دورا كبيرا في تنمية القطاع الخاص، وينمي الابتكار ويدعم التوظيف المحلي. ولا يمكن الاستهانة به في دعم التنمية المستدامة للاقتصاد المحلي، ولكن آلية الدعم لها دور في تنقية هذا القطاع وجعله حصينا عن الفساد المالي والمحسوبيات، فالكثير من الدول العربية والخليجية لم تنجح في دعم هذا القطاع بسبب انعدام الشفافية والعلاقات الشخصية التي تتدخل بطرق معينة لتبني مشاريع غير ذات جدوى سرعان ما تخسر، ورفض مشاريع مربحة. الغريب أن الاستعانة بهيئات خارجية في بعض الدول لتنمية هذا القطاع أنتجت العكس وجعلت هذه الهيئات تكون أكثر بيروقراطية لضمان وجودها حتى باتت هيئات مفروضة، ولم يستفد منها القطاع الذي لم يجد له بيئة صالحة لينمو بطرق سليمة وموجهة لخدمة الاقتصاد الوطني.
وأيضا الاستثمار الحكومي بمشاريع كبيرة لتهيئة القطاع الخاص بما يناسب توجهات الشباب السعودي وطموحه ومواءمة الأجيال الملتحقة بسوق العمل خلال السنوات القليلة القادمة، وذلك باختيار مشاريع «مستقبلية» وتطويرية كبيرة، كما لوجود هيئة بحث وتطوير وابتكار قبل عامين دور منظور، ويقع على عاتقها الكثير حتى تصنع خانة «إنجازات وطنية» فهي أكثر الأدوات فعالية.
إلى اليوم نجحت هذه التعبئة في مسعاها كثيرا، وانخفض معدل البطالة بين السعوديين من 11% سجل في الربع الأخير من 2021، إلى 8% سجل في الربع الأخير من عام 2022 منخفضا عن 9.9% سجل في الربع السابق لنفس العام، فيما استقر معدل المشاركة في القوى العاملة بين السعوديين عند 52.5%، وفقا لأحدث تقرير لهيئة الإحصاء العامة.
وهذا إنجاز يعبد الطريق نحو الرؤية المستقبلية إذا ما تطورت أدواته ومسعاه وقلص الفارق في الهدف ورفع معدل التوطين، وجعل الأيدي العاملة المحلية كذلك نقطة جذب للاستثمارات الخارجية.
@hana_maki00