هناك تسارع في تغيير الكثير من نماذج الأعمال في مختلف الأنشطة، والتطورات التكنولوجية على الصعيد العالمي لها أثر في اختفاء مجموعة من الوظائف، وبنفس الوقت لها أثر في ولادة مجموعة أخرى من الوظائف النوعية، وفي أكثر من مقال ذكرت أهمية لوجود جهة مستقلة تعمل على التنبؤ بالتطور المستقبلي للوظائف، حيث إنه لا يمكن لأي اقتصاد أن يحافظ على مستوى عدد الوظائف أو نوعيتها في سوق العمل أو حتى زيادة عددها «نوعا» دون وجود لمثل هذه الجهة.
أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative artificial intelligence) حديث العالم في الوقت الحالي، وأشهر تلك التطبيقات التي تم انتشارها بشكل كبير هي تطبيقات الدردشة القادرة على التجاوب مع العنصر البشري ومحاكاته، وحذرت العديد من المنظمات العالمية من خطر انتشار مثل تلك التطبيقات بشكل متسارع، وطالبت بإيجاد حلول عاجلة لكيفية الحد من خطرها خاصة على مستقبل الوظائف في أسواق العمل، وفي هذا المقال سأتطرق إلى مستقبل الوظائف بعد الانتشار اللافت لمثل تلك التطبيقات.
من المهم أن نعي أنه منذ مئات السنوات ونوعية الوظائف تختلف وتتطور مع مرور الزمن، وهذا أمر لا نختلف عليه ولا يحتاج للتهويل، ولا يعني ذلك تجاهل المتغيرات التي تطرأ على نوعية الوظائف وتطورها أو التساهل في مواكبتها، والأساس للتعامل مع هذا الأمر هو العمل بشكل مستمر ومستدام على تطوير مهارات الثروة البشرية، حيث إن المعادلة بسيطة «لو تغيرت الوظائف، بالإمكان وبكل سهولة أن يتغير الإنسان لمواكبتها».
تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي هي تقنيات متطورة بدأت بالتأثير على مستقبل الوظائف في العالم بشكل سريع، وبالرغم من وجود إيجابيات لها خاصة في قطاع الأعمال من خلال مساهمتها بشكل كبير في تحسين الإنتاجية وتوفير الوقت والجهد والتكاليف، نجد أن قطاع الأعمال بدأ في استبدال العديد من الوظائف بتلك التقنيات في فترة قصيرة، ولوصف الواقع بشكل أدق نجد في الجانب الآخر أن هناك استحداثا لوظائف تعمل على محاكاة هذا التطور التكنولوجي وفي مختلف المجالات، ومن أهمها الوظائف التي تختص في تصميم وتطوير تلك التطبيقات، بالإضافة للوظائف التي تختص في «فلسفة» محاكاة تلك التطبيقات والتدريب للتعامل معها للوصول لأدق النتائج والبيانات، وبمعنى آخر سنجد «ترقية» للعديد من الوظائف والتخصصات لمجاراة هذا التطور التكنولوجي.
في الوقت الحالي ولضمان تطوير أسواق العمل، أرى أن العمل على الحد من وجود هذا التطور التكنولوجي يعتبر مضيعة للوقت، وكوجهة نظر شخصية أرى أهمية لإطلاق مبادرات وبرامج تدريبية خاصة في تطوير المهارات التقنية والبرمجية بالإضافة للمهارات الخاصة بعلوم الذكاء الاصطناعي بشكل عام ابتداء من مراحل التعليم، والعمل على دعم الأفراد وقطاع الأعمال لمواكبة التطورات التقنية الجديدة في أسواق العمل، والأهم من ذلك إعادة النظر في قوانين الحماية الاجتماعية للعاملين في أسواق العمل.
ختاما: التطور التكنولوجي لا نهاية له، وينبغي الاستعداد بشكل جاد للتعامل معه في جميع الاقتصادات العالمية، وطالما هناك عمل واضح على تطوير قدرات ومهارات الأفراد فلا خوف على مستقبل الوظائف، وأنا شخصيا أرى أن التوصيات العالمية المبالغ فيها التي نراها اليوم للحد من خطر هذا التطور التقني هي مستهدف لقتل الطموح البشري.