* قد أتفهَّم عندما يتنكر بعض بني الأصفر للحضارة الإسلامية التي شيَّدها العرب المسلمون الفاتحون في الأندلس وما قدّمه علماء المسلمين من إرثٍ علميٍ غير مسبوقٍ وفتحوا به آفاق المعرفة في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تعيش في دياجير الظلام والتخلّف والجهل المطبق في حقبةٍ زمنيةٍ عُرِفت (بالقرون الوسطى)، وبعدما فتح العرب الأندلس وأقاموا دولةً إسلاميةً أضاءت بحضارتها وعلومها وفنونها معظم أوروبا، حتى لقد كان الذوات من الأوروبيين يبعثون بأبنائهم إلى الأندلس؛ لينهلوا من المعارف والعلوم، بل حتى ليتعلموا منهم مبادئ الإتيكيت في المأكل والمشرب والملبس ورقي التعامل في شؤون الحياة، فقد أتفهّم أنه إن حدث جحودٌ فهو من الغطرسة وغمط التاريخ.
* لكن عندما يكون منَّا وبين ظهرانينا مَن يتحدث بلساننا، ويدين بمعتقدنا ثم يتنكَّر للتاريخ المجيد الذي صنعه المسلمون في شتى مجالات الحياة وأولها نشر الإسلام في معظم أصقاع المعمورة، ومنها بلاد الأندلس، وما تركوه للبشرية من علومٍ نافعةٍ باكتشافهم النظريات العلمية في الطب وفي العلوم، وفي الجيولوجيا، وفي الفلك، وفي الفنٍّ المعماري الفريد التي لا تزال شواهده قائمةً.
* لذلك.. حريٌّ بنا أن نقول لأنصاف المثقفين الذين ظهر بعضهم في بعض البرامج الحوارية وانتقدوا الفتوحات الإسلامية، وسوَّغوا المبررات وأشرعوا الباب للقوم بأن يرددوا مزاعم بأن الفتوحات الإسلامية كانت احتلالًا، نقول لهم: كفُّوا عن هذا الطرح وعن تشويه تاريخ أمتكم.
* وفي هذا السياق.. من المفيد أن نبيِّن كلام المنصفين من الأوروبيين أنفسهم وهم يردُّون على تلك المغالطات والإرجافات وينصفون الفتوحات، وأتذكَّر في هذا المقام ما أورده المؤرخ الإسباني «إيغناسيو أولاغي» في كتابه بعنوان (العرب لم يحتلّوا إسبانيا)، عندما ردَّ على تساؤلٍ قد حيَّر البعض: هل يُعتبر فتح المسلمين للأندلس احتلالًا؟؟
* فقد أوضح المؤرخ المذكور أن سكان الأندلس الأصليين (لشبه الجزيرة الأيبيرية) كانوا من الأيبيريين ومن السلت، وأنهم قد تعرَّضوا لاحتلالٍ بَشعٍ من قبائل القوط الهمجيين القادمين من فرنسا وألمانيا قبل أن يأتي المسلمون ويحرروا أهلها من القوط الغزاة، ويضيف: "بل لقد حرَّر العرب الفاتحون كذلك القوط أنفسهم من ظلم حكامهم الإقطاعيين في أوروبا، ولكن بعدما فتحت الأندلس وقامت الخلافة الإسلامية فيها فإن معظم سكان الأندلس الأصليين أسلموا، كما أسلم الكثير من القوط بعدما رأوا العدل من المسلمين.
* وأضاف: إن العرب لم يسلبوا خيرات الأندلس ويرسلوها لبلادهم، كما تفعل قوى الاحتلال عادةً في نهب ثروات البلدان التي تحتلها، بل على العكس لقد تطوَّر اقتصاد الأندلس واغتنى أهلها بشكلٍ كبيرٍ وأصبحوا يسكنون البيوت والقصور الفارهة بدلًا من الأكواخ التي كانوا يقبعون فيها قبل الفتح الإسلامي.
*وذكر المؤرخ أيضًا أن العرب تعاملوا بعدلٍ وتسامحٍ مع أهل الأندلس ممَّا شجع أغلبهم على اعتناق الإسلام واختلاطهم مع البربر والعرب والقوط.
* وأردف قائلًا: (لقد جاء العرب وكان سكان إيبيريا أفقر شعوب العالم فحوَّلوهم في أقل من 40 سنةً إلى أغنى شعوب الأرض، ويتساءل: فهل تعرف محتلًّا في التاريخ يفعل ذلك؟).
* وللعلم فهذا ليس المؤرخ الإسباني الوحيد الذي أنصف العرب والمسلمين والذي يرفض تسمية فتح الأندلس بالاحتلال، بل هناك مؤرخون كُثر منهم وافقوه، ومنهم المؤرخ إيميلو جوانزالس فرين Emilio González Ferrín.
* في الوقت الذي يحرص بعض دعاة التنوير والتجديد أو بعض العلمانيين، كما تقدّم الإشارة إليهم الذين يرددون أن فتح الأندلس غزوٌ واحتلالٌ وسلبٌ لكرامة وحرية الإنسان... فهلَّا كفَّ أولئك عن مزاعمهم بعدما ألجمتهم الحقيقة بشهادة الإسبان أنفسهم؟؟!!