انتقل إلى رحمة الله تعالى مطلع هذا الأسبوع أحد رواد التعليم والنشاط الكشفي ورعاية الشباب في المنطقة الشرقية منذ عقود، سليمان بن عبدالرحمن السحيمي (أبو يوسف)، أسكنه الله فردوسه الأعلى، وعظّم له الأجر وجميع المسلمين ورفع درجاته، هذا الرجل من جيل الرجال الأنقياء نحسبه كذلك، وهذا النقاء «بإذن الله» لن ينقطع.. لا من الرجال، ولا النساء ففي كُلٍّ الخير، هذا الرجل هو في النسب ابن عم والدي وابن خالته أيضًا في آنٍ واحد، وقبل ذلك هو رفيق عمره، وتوأم حياته، منذ أن جاءوا لهذه الحياة، كان صديقه الصديق وعضده و«محزمه» في السراء والضراء لا يأنس مجلسه إلا به، يحبه والدي حبًّا جمًّا، لم يفرّقهم شيء قط.. لا السفر ولا العمل أو الزواج ولا الأولاد ولا الدنيا برمتها.
يملأ المجلس فرحًا بكلامه وضحكاته محبًّا لأرحامه مصدر فرح لكل طفل، فكيسه بعد صلاة كل جمعة لا يخلو من الحلوى التي تجعل حياتهم وذِكراه أكثر حلاوة.
دخل مجلسنا ذات مرة، ودخل في الحديث مباشرة، فقلت له قبل مجيء والدي: (يا عم.. وراك ما تسأل عن أبوي؟ فقال أنت اسألني عنه أنا أعرفه قبل أنت تعرفه) كناية عن عُمق علاقتهما، كان له إخوة غير أشقاء يعيشون في مكة، ولأنه صاحب وصل ومحب للأرحام، كان يتردد عليهم دائمًا، ويجلس فترات طويلة هناك، فذات مرة افتقده والدي الذي، كما قلت يحبّه حُبًّا جمًّا، فقال: وينك يا رجل (وراك أبطيت علينا هالمرة) فقال: اشتقت لإخوتي وأخواتي هناك، وألزموني بالبقاء فترة أطول، فقالت يبدو أن الحجاز وأهلها أعجبوك، مرة أخرى لو تأخرت سأغيّر اسمك من سليمان إلى «حمزة»، فضحكا ضحكًا شديدًا، وقال: سمّني ما شئت، فأصبح لسنوات عديدة مشهورًا في العائلة بلقب حمزة، حيث إن هذا الاسم فضلًا عن أنه صحابي جليل، عم رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، وأسد الله ورسوله، إلا أنه أيضًا متداول ومحبب لأهلنا في الحجاز.
ونظرًا لوجود أكثر من «سليمان» في العائلة، وحتى لا تتشابه الأسماء فكان هو متميزًا بحمزة.
لستُ هنا لأتحدث عن رجل من القرابة، ولكنني أتحدث عن الأخوّة التي لا تلدها الأرحام أحيانًا كيف تبقى متينة رصينة راسخة ثابتة ضاربة بجذورها في الأعماق لا تشوبها شوائب الدهر. كان دائمًا خفيف الحمل في كل حياته على كل أحد ثقيل القدر عند محبيه وأولاده وبناته وأهله البررة برعايته عند كبره وسقمه حتى آخر يوم من حياته كانوا يقدّمون أقصى درجات الرعاية والعناية، فهنيئًا لهم، رحم الله سليمان حمزة صاحب الفضل والأخوة العطرة، لم يتغيّر بزمان ولا مكان، صاحب معدن أصيل على الدوام. ورحم الله موتى المسلمين أجمعين، وألحقنا برّهم، يمضي الناس ويبقى الأثر.
وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل «بإذن الله»، أودّعكم قائلًا: (النيّات الطيبة لا تخسر أبدًا) في أمان الله.
@Majid_alsuhaimi