تعتبر المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر الركيزة الأساسية للاقتصاد في العديد من الدول، وفي الفترة الأخيرة تراجع الحديث بشكل كبير عن ريادة الأعمال، وارتفعت الأصوات بمستويات أعلى عن آلية التخارج من السوق، خاصة للمشاريع متناهية الصغر والصغيرة حجمًا، وهذا الأمر يُثير عدة تساؤلات عن الأسباب التي أدت للوصول لهذه المرحلة في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في السوق السعودي، وفي هذا المقال سأتطرَّق لواقع تلك المنشآت في السوق السعودي.
في البداية من المهم أن نشيد بتميّز العديد من المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر في المملكة، خاصة في مجال الابتكار والتقنية مقارنة بدول الجوار، وما سأذكره في هذا المقال لا يقلل من إبداع عدد من ملاك تلك المنشآت في تجاوز العديد من التحديات في ظل الظروف الراهنة، بالإضافة لذلك؛ لا يقلل من جهود هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة والتي تعتبر من أكثر الجهات تميزاً خلال السنوات السابقة.
مطلع العام الماضي، كتبتُ مقالًا من وجهة نظر شخصية «تحتمل الصواب والخطأ» عن تحديات المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وذلك بعد سلسلة من القرارات والإصلاحات التي تم تطبيقها على سوق العمل والأعمال، خاصة بعد أزمة كورونا، وذكرت فيه أن منشآت القطاع الخاص «متناهية الصغر، الصغيرة، المتوسطة» ستكون في حيرة من أمرها لمدة ٣ سنوات «٢٠٢٢م – ٢٠٢٤م»؛ نظرًا للظروف التي تشهدها اقتصادات العالم بأكمله، ومن قرب واطلاع على واقع العديد من المنشآت الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة للمنشآت متناهية الصغر، أرى أن التحديات والأزمات المالية بدأت بعصف مجموعة من تلك المنشآت؛ مما أدى لإغلاقها.
أحد الأمثلة البسيطة والواقعية، هناك تذمّر كبير في وسائل التواصل الاجتماعي من آلية عمل بعض الجهات المسؤولة عن مراقبة الأسواق، خاصة الجهات التي تم تخصيصها للتفتيش والمراقبة، فبعض إجراءاتها قاسية، وتعتمد فقط على منح المخالفات بشكل قاسٍ جدًّا بدلًا من التوجيه والإرشاد، وهذا الأمر قد يراه مسؤولو تلك الجهات أنه من أبسط حقوقهم؛ لأن دخل تلك الجهات الأساسي يأتي من المخالفات التي يتم ضبطها، ورسالتي هنا أوجهها لأصحاب المعالي وزراء «الشؤون البلدية، التجارة، الموارد البشرية» بأن يخصّصوا جزءًا من وقتهم لمتابعة معاناة أصحاب تلك المنشآت التي يتم سردها في وسائل التواصل الاجتماعي، ويتم التواصل معهم بشكل مباشر حتى تتضح الأسباب التي أدت لتخارجهم من السوق أو بالأحرى طردهم من السوق.
هناك أسباب أخرى رئيسية لمعاناة تلك المنشآت، ومنها على سبيل المثال الحملات التي كانت تدفع الشباب إلى ترك وظائفهم وتشجع على تأسيس المشاريع، بغض النظر عن تواجد الخبرة العملية والإدارية والمحاسبية اللازمة، المنافسة الشديدة في السوق والتغيّرات السريعة في التكنولوجيا والتحوّل الرقمي، تكاليف التمويل بعد المتغيّرات المالية العالمية، انتهاء مبادرات الدعم الحكومي كمبادرة استرداد الرسوم، التي كان لها دور كبير في المحافظة على استمرارية المنشآت الصغيرة.
اليوم وبالنظر إلى المتغيّرات الاقتصادية الهيكلية ينبغي أن يكون لدينا تقسيم لحال المنشآت الصغيرة والتعامل مع كل قسم بإستراتيجية مخصصة «توجّهات وتدخّلات»، والتقسيم يكون على النحو التالي «منشآت قادرة على الاستمرار، ولكنها مُعسِرة، منشآت غير قادرة على الاستمرار ومعسِرة، منشآت قادرة على الاستمرار وتواجه صعوبات مالية، منشآت قادرة على الاستمرار ولا تواجه أي صعوبات مالية».
ختامًا: ملكية أو إدارة المشاريع الصغيرة في الوقت الحالي تعتبر واحدة من أصعب الوظائف الموجودة، كما أنها تشكّل ضغطًا نفسيًّا وصحيًّا على أصحابها، وما أتمناه أن يتم تدارك الوضع الحالي قبل أن يزداد الوضع سوءًا، والبداية التي تعتبر أساسًا لذلك هي إعادة النظر في آلية عمل جهات التفتيش ورصد المخالفات، فالجميع متفق على أن الانضباطية مطلب، ولكن هل قامت تلك الجهات بدورها في التثقيف والإرشاد؟.