خالد أحمد عبد الحق، من مديرية صعدة باليمن، شاب يافع مسكون بحب الحياة والطموح، كان يكافح ليكون مهندساً معمارياً متميزاً، فخياله الخصب ومهاراته في عالم البناء والتشييد وحبه للمعمار عامة، كانوا يدفعونه نحو الحلم الذي لم يكن بعيداً جداً عن معانقته وقطف ثماره.
لكن الألغام في اليمن، وكما راجت عنها قصص دموية عدة، لطالما دكت الأحلام وحطمت المطامح وضربت بشدة وقسوة، وجذبت ضحاياها الذين أفلتوا من أذرع الموت إلى زوايا العجز والانكسار.
وهذا حال الشاب خالد أحمد، الذي لم يستطع مقاومة حنينه لبيته الذي استحوذت عليه الميليشيات مع سائر قريته لفترة من الزمن.
الألغام في اليمن
يقول خالد لمكتب إعلامي: "اشتقت لبيتي ولم أستطع أن أمنع نفسي عن الذهاب إليه وتفقده بعدما سمعت أن الميليشيات غادرت المكان، كنت أرغب بفحصه لأعود مع أسرتي، فأن تكون نازحاً داخل وطنك، شعور صعب ووضع بائس لأسرة مشردة، لذلك كنت أبحث عن إعادة الاستقرار والأمان لأسرتي داخل بيتنا الذي عشنا فيه أحلى أوقاتنا وذكرياتنا، لكني لقيت مصيراً مراً."
تمكَّن مشروع "مسام" لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام خلال الأسبوع الثالث من شهر إبريل 2023، من انتزاع 625 لغمًا زرعتها الميليشيا الحوثية في مختلف مناطق اليمن، منها 20 لغما مضادا للأفراد، و180 لغما مضادا للدبابات، و420 ذخيرة غير منفجرة، و5 عبوات ناسفة.#اليوم pic.twitter.com/HoIEyW8hd8— صحيفة اليوم (@alyaum) April 23, 2023
سكت خالد قليلاً كأنه يلملم أفكاره ويبتلع غصة في صدره، راسماً على شفتيه ابتسامة شاحبة لا تخلو من الحزن والتسليم لقدره، ثم واصل قائلاً: "على تخوم بيتي انفجر تحت رجلي اليمنى لغما أرضيا وبترها من تحت مستوى الركبة، ومن يومها تغير كل شيء في حياتي وضاعت أحلام الأمس، وبات علي أن أعيش وكأني ولدت من جديد بعاهة جسدية ستلازمني ما حييت".
ضاع كل شيء
"خالد الجديد" لم يعد ذاك الشاب المفعم بالحياة والنشاط، فبعد الحادث وجد نفسه عاجزاً محطم الوجدان أسير إعاقة كبلته إلى أبعد الحدود، يقول: "ما أصعب أن تضطر لاستبدال رجلك بقضبان من حديد، وما أصعب أن يكون الحديد الجامد سبيلك الوحيد للمضي في دروب الحياة وعدم الوقوع في براثم العجز".
مشروع "مسام" تمكن خلال الأسبوع الرابع من أبريل الجاري، من انتزاع 836 لغمًا زرعتها الميليشيا الحوثية في مختلف مناطق #اليمن، ليصبح إجمالي الألغام المنزوعة منذ بداية المشروع 396 ألفًا و 558 لغمًا.#اليوم pic.twitter.com/ZaPVlB8bAo— صحيفة اليوم (@alyaum) April 30, 2023
خالد أب ومسؤول عن عائلة، ولم يكن بإمكانه الوقوف كثيراً على أطلال الماضي والبكاء على ما كان، فما مضى ولى ولن يعود أبداً، وهي نقطة حاسمة وضعها خالد نصب عينيه، وقد وجد من أسرته ورفاقه الدعم حتى أصبح قادراً على المشي بالاعتماد على عكازين، ثم استعان برجل اصطناعية ومضى بخطوات متعثرة في مسارب الحياة، ولكنه لم يقنع بالعجز.
"مسام" في اليمن
يوضح خالد: "كنت أحلم أن أكون مهندساً معمارياً لكن الألغام حطمت حلمي، فعدت بعد لملمة جراحي لأصنع حلماً جديداً يتماشى مع إمكانياتي الصحية، فصحيح أنا اليوم عامل بسيط في مجال البناء، لكني لم أغادر حقل العمل الذي كنت أحلم أن أكون اسماً بارزاً فيه، رغم ما فعلته بي الألغام، فلا يجب أن نستسلم أبداً ولا يجب أن نرفع الراية البيضاء لعلب الموت المتفجرة في اليمن".
إجمالي عدد الألغام التي نزعت منذ بداية "مسام" بلغ 360 ألفًا و573 لغمًا#اليوم@KSRelief pic.twitter.com/0LfQY0IYDQ— صحيفة اليوم (@alyaum) October 3, 2022
يضيف: "نحن نجد الدعم والعطاء الجزيل من مشروع مسام المتفاني في نزع الألغام في اليمن، ما يعطينا دافعاً قوياً للصمود والمثابرة، فالألغام زائلة من اليمن ما دام هناك مشروع إنساني مثل مشروع مسام، يصل الليل بالنهار من أجل إبادة الألغام القاتلة، فأملنا في المستقبل كبير ويدنا ممدودة للمشروع النبيل الذي نتمنى أن يستمر في كفاحه من أجل أن يعود اليمن خالياً من الألغام.
مشروع مسام
مشروع مسام منذ أن بدأ عمله في اليمن نهاية يونيو 2018 حتى اليوم، تمكن من نزع 398.110 لغماً وقذيفة غير منفجرة وعبوة ناسفة، مطهراً نحو 46 مليون متر مربع من الأراضي اليمنية.
وتمكنت فرق مسام الهندسية منذ انطلاقة المشروع من نزع 245.288 ذخيرة غير منفجرة، و138.908 لغماً مضاداً للدبابات.