يقال إن الأذكياء لا يحسنون التعامل مع الآخرين، فلا يعرفون متى يضحكون، أو كيف يهنئون أو يواسون الآخرين، بل وقد يتعرضون للسخرية من الغير دون أن ينتبهوا لذلك، فهم يفتقدون مهارة حياتية مهمة، تسمى الذكاء العاطفي.
ولحسن الحظ، أن هذا النوع من الذكاء يمكن أن يُنمى ويطور في أي فترة من فترات المرء، ففي كتابه «النوع الآخر من الذكاء»، يستعرض لنا هارفي دوتشيندورف، بعض الطرق البسيطة لتعزيز الذكاء العاطفي، للتمتع بدرجة أكبر من الكفاءة الشخصية.
ويعرف دانيال جولمان الذكاء العاطفي، بأنه قدرة الإنسان على التعامل الإيجابي مع نفسه والآخرين، فهي مهارة تمكّن صاحبها من التعبير عن مشاعره بطريقة صحيحة، والتجاوب مع انفعالات الآخرين بطريقة مثالية، فعلى سبيل المثال، عندما يتعرض أحد زملاء العمل لمصيبة، تستطيع أن تواسيه ببعض الكلمات المعينة بدلًا من إهماله أو السخرية منه، والعكس صحيح، ومنه كذلك القدرة على التحكم في الانفعالات، عندما يقوم مديرك في العمل برفع صوته عليك، فترد عليه بهدوء ودون انفعال، فتوقفه عند حدوده دون أن تخطئ عليه.
لقد أثبتت الدراسات الحديثة، أن مؤشر الذكاء العاطفي أكثر فاعلية من الذكاء المعرفي، وعليه فإن الذين يمتلكون مهارة الذكاء العاطفي، يعتبرون، في الغالب، أكثر نجاحًا ممن يمتلكون القدرات المعرفية العالية؛ لذا تجد أن شركة ساوث وست إيرلاينز، والتي وظفت الذكاء العاطفي، لتهيئة بيئة عمل تهتم بالموظفين، حتى إنها أنشأت لجنة، مهمتها ابتكار طرق تشعر الموظفين وأسرهم بأنهم جزء من الشركة، مما جعلها توصف بأنها أنجح شركة طيران في التاريخ.
إن التركيز على تحسين الذكاء العاطفي، يحسن حياتنا بشكل أفضل؛ لأنه يسعدنا في زيادة مهاراتنا في التفكير، ومن دونه سيصعب علينا النجاح في أغلب الأعمال التي توكل إلينا.
إذن كيف نهتم بتطوير مهارة الذكاء العاطفي؟ يحدث ذلك أولا، عبر فهم عواطفنا وانفعالاتنا، فكبت المشاعر وإخفاؤها وعدم إبدائها، سيصعب علينا أن نفهمها ونتعامل معها، فمن ذلك أن تراجع نفسك بشكل يومي، لتتمعّن في المواقف التي حصلت لك، وكيف تعاملت معها، ومن ذلك أيضًا ملاحظة المواقف الإيجابية لدى الزملاء والتعلم منهم، وكذلك العمل على تحسين الصورة الذاتية لنا، عن طريق مفهوم تأكيد الذات، وهي القدرة على وضع الحدود، والتعبير عن الاحتياجات والمشاعر والآراء بوضوح وبأسلوب مباشر، فمثلًا عندما تطلب طعامًا ساخنًا من مطعم، ثم يُقدم لك باردًا، فعليك أن تعيده لهم، أو إذا قصّر موظف فندق في خدمتك، فعليك أن تطلب رؤية مديره، والمفهوم الآخر، هو احترام الذات، فلا تُشِر لنفسك بالفشل ولا تحط من قدرك أبداً، وأحط نفسك بأناس تقدّرك وتحترمك، أما المفهوم الثالث فهو الاستقلالية، وهو التوازن بين احتياجاتنا واحتياجات من هم حولنا، فلا نقدِّم أنفسنا دائمًا، فنصبح أنانيين، ولا نقدم الآخرين علينا دائما فنصبح انقياديين، فتكون لنا شخصياتنا الاستقلالية دون الإضرار بغيرنا.