كعادة المنطقة الشرقية وهي تضع الإبداع ضمن أهم مميزاتها وكراماتها، اختطف تسعة من الموهوبين والموهوبات من مدارس تعليم المنطقة الشرقية المشاركين في المنتخب السعودي للعلوم والهندسة «آيسف 2023» في الولايات المتحدة الأمريكية عددًا من المراكز المتقدمة من بين 70 دولة وأكثر من 1700 موهوب وموهوبة، وهذا الإنجاز الكبير ضمن إنجازات طلاب المملكة العربية السعودية غير مستغرب فالتعليم في بلادنا يعطي أهمية بالغة بالموهبة والإبداع، إن رفع علم المملكة في تلك المحافل رسالة مختصرة رائدة تنطوي عليها الكثير من الرموز والإلماحات، فليس الاختراع وحده هو الذي يحكي قصته وقصة سفرائه وممثليه.
وبعيدا عن هذا الإنجاز المشرف فإن المنطقة الشرقية بساحلها الممتد مولد النجباء، ولا أقولها كوني من المنطقة الشرقية وعاشقة لها ومن يشهد للعروس - فالسواحل عادة بلونها الأزرق الصافي تبعث للنفس الراحة والاستقرار، ويتأكد هذا الشعور عند إحساسنا بالتعب والإرهاق فإن الهروب عادة يكون للبحر، فمنه نستمد ما نحتاج من فيتامين دال، وتساعدنا جلسة التأمل في زيادة التركيز والتخلص من القلق والتوتر وتصفية الذهن وتحسين المزاج.
وقد ذكر ابن خلدون في مقدمته عن تأثير البيئة على الإنسان وأخلاقه وصفاته وطبائعه، كما أكد نظريته بطليموس وجالنيوس وأبوقراط، فالموقع الجغرافي كبيئة هو الذي يحدد بكل دقة طبائع البشر وعقلياتهم وألوانهم وثقافاتهم.
وليست البيئة هي المؤثر فقط، بل حتى العادات الغذائية تؤثر على الإنسان وطبيعته ومزاجه، بل حتى على رائحة جسمه، ونحن في المنطقة الشرقية ننعم بالبحر ونأكل السمك، الذي يحتوي على الأحماض الدهنية غير المشبعة والتي تسمى «أوميجا 3» وتزيد من نسبة الذكاء في مرحلة الطفولة والمراهقة، وقد تقاوم بعض الشخصيات البيئة وتكسر قوانينها ويصبح التكييف في المجتمع هو المؤثر والثقافة الوسيلة والمقياس الصحيح فإما أن نتكيف إيجابيا أو سلبيا، وفي عصر التحول الرقمي فإن التواصل الخارجي اخترق كل المؤثرات والقناعات وتربع على عرشهم.
ومنذ القدم كان لأهل الخليج سمات مشتركة واضحة؛ كونهم شعبا بحريا منفتحا سهلا كقبول الآخر وسهولة التعامل مع الغرباء نتيجة اتصالهم بشعوب العالم أجمع مختلطين بالآسيويين والأفارقة والأوروبيين من خلال تجارتهم وموانئهم وبضائعهم، ولا أعزو في مقالي هذا إبداع أهل المنطقة وأبنائها ببيئتنا وإن كانت بيئة محفزة ومؤثرة، بل الكثير من العوامل كاهتمام الدولة الواضح والبرامج المكثفة التي يخضع لها هؤلاء الطلبة ووقوف وزارة التعليم ومؤسسة موهبة ومتابعة إدارة التعليم وتعاون المدارس.. والحمد لله من قبل ومن بعد.
وقفة وفاء:
غادر خباز يمني المنطقة الشرقية بعد 50 عاما من العمل، لكن مغادرته لم تكن عادية فأهل الوفاء من أهل المنطقة لم يمر عليهم هذا الحدث مرور الكرام، فوداعه كان مميزا لطيفا ستبقى ذكراه عالقة في مخيلة هذا الرجل، والمتأمل في تقاسيم الخباز يجده هادئا وادعا طيبا وإلا لما استطاع أن يخترق قلوب زبائنه ومحبيه، فطعم الخبزة اللذيذ وحده لا يصنع هذه العلاقة، وكم من موظف تقاعد عن سنوات طويلة ثم ذهب وكأنه لم يكن..
ما أجمل الوفاء ولو بكلمة.