مملكة العز والفخر، من نجاح، إلى نجاح، إلى نجاح .. ومنافسة التحكيم التجاري الطلابية الدولية لعام 2023م، نجاح متميز آخر، للمركز السعودي للتحكيم التجاري.
في بلادي التي أعتز وأفخر بالانتماء إليها تتالت خلال أيام قليلة متوالية أحداث جسدت هذا الفخر والاعتزاز في مجالات لا يكاد يربطها ببعضها رابط، فعلى الرغم من الصدوع والاختلافات التي يعاني منها الوطن العربي نجحت القيادة الرشيدة في المملكة في تنظيم القمة العربية الثانية والثلاثين، وقيادتها إلى بر التلاحم والإخاء ولم الشمل، وبناء رؤية مستقبلية واعدة لتنمية شاملة مستدامة ومع فرحة الوطن بهذا النجاح الباهر، أسعدنا أبناؤنا الطلبة من كل أرجاء المملكة، بتحقيق إنجاز غير مسبوق في المعرض الدولي للعلوم والهندسة لعام 2023م بإحراز 27 جائزة منها 23 جائزة كبرى وأربع جوائز خاصة من بين مشاركات أكثر من 1800 مشارك وتحقيق المركز الثاني بين أكثر من 70 دولة من دول العالم، إنجاز نال إعجاب العالم وبات عن استحقاق محل فخر واعتزاز الوطن قيادة وشعبا ثم يضاف إلى هذه المفاخر والإنجازات في يوم الأحد 21 مايو الجاري انطلاق رائدي الفضاء السعوديين علي القرني وريانة برناوي في رحلة إلى محطة الفضاء الدولية تستمر 12 يوما ويجري فيها الرائدان السعوديان مع زملائهما ومع طلاب سعوديين على الأرض تجارب علمية في مجالات متعددة فيها لصالح البشرية جمعاء وكما كان صاحب السمو الملكي، الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز مصدر فخر واعتزاز لنا جميعا لأنه أول رائد فضاء عربي ومسلم تأتي رائدة الفضاء ريانة برناوي لتعزز هذا الفخر والاعتزاز بكونها أول رائدة فضاء عربية ومسلمة وفي خضم هذه الأحداث البهيجة المتوالية تشرفت يوم الخميس 28 شوال 1444هـ، الموافق 18 مايو 2023م بالمشاركة في تحكيم جلسة المرافعة النهائية في منافسة التحكيم التجاري الطلابية الدولية التي رعاها المركز السعودي للتحكيم التجاري بشراكة مع لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسيترال) ووزارة التجارة الأمريكية وعدد من المنظمات الدولية ذات العلاقة حيث عقدت المنافسة هذا العام في نسختها الرابعة على المستوى الدولي وشارك فيها 110 فرق ضمت قرابة 600 طالب وطالبة من 60 مدينة في 20 دولة عربية وكانت جولات المنافسة قد بدأت قبل ثمانية أشهر وشملت العديد من البرامج والمراحل المختلفة من المرافعات من خلال المذكرات القانونية والترافع الشفوي وصقل القدرات لتكون فعلا منصة لتخريج محكمين دوليين ومحامين متخصصين وبوابة فعلية إلى سوق العمل في هذا المجال الحيوي وهو ما ظهرت بوادره بالفعل إذ قدمت مكاتب محاماة وطنية ودولية فرص تدريب مدفوعة الأجر لاستقطاب وتوظيف المتميزين من المتسابقين كما قدمت العديد من المنح للحصول على درجة الماجستير وبرامج متخصصة مع منظمات دولية كالمجمع الملكي البريطاني، وأود هنا أن أشيد الإشادة المستحقة بدور المركز السعودي للتحكيم التجاري في تبني ورعاية مثل هذه الفعاليات والمسابقات وبسعيه الدؤوب لدعم ومساندة طلاب العلم في مجال القانون وأخص بالذكر والشكر والتقدير جميع من أسهم معهم بالمشاركة في هذه المسابقة وإنجاحها من الأساتذة والأستاذات والفقهاء داخل وخارج المملكة، كما أنني شعرت بالفخر وأنا أتابع هذه المنافسة منذ البداية وأشارك في تحكيم المرافعة النهائية برئاسة الأساتذة المتميزين الدكتور محمد عبدالوهاب من جمهورية مصر والدكتور حسن عرب من الإمارات العربية المتحدة وقد بدا لي واضحا أن سر التفوق وحسن الأداء لدى المتنافسين في المسابقة كان يكمن فيما يسبقه من التحضير والقراءة والتحليل وجدية دراسة الموضوع وتمحيصه من جميع جوانبه حيث أثمرت هذه الجهود عن حسن جمع وترتيب واستحضار الوقائع والمواد ووضوح وفصاحة إلقاء وطرح وجهات النظر بشكل متميز من المشاركين، فقد كان هذا تأكيدا أن الجهد والعمل الدؤوبين هما من أهم أسرار النجاح، وأحسب أن القضية التي طرحت على المتنافسين للتعامل معها ستكون سابقة تعليمية مفيدة للمشاركين في المسابقة، لأنها تؤكد لهم أن هناك الكثير من المخاطر والمشكلات والتعقيدات التي تكتنف عالم التجارة والمعاملات وأنه ليس بأي حال من الأحوال عالما نموذجيا لمجرد أنه مبني على عقود واتفاقات إذ ربما كانت هذه العقود والاتفاقات هي مصدر تلك المخاطر والمشكلات والتعقيدات لذلك لا بد للمحامي سواء أكان هو المحامي الذي أبرم الاتفاق الأصلي بين الأطراف أم الذي أبرم اتفاق التوريد أو اتفاق التحكيم أم الذي مثل أحد الأطراف وترافع نيابة عنه أم الذي شارك كمحكم، على هذا المحامي أن يبذل أقصى جهد وحرص وعناية في أداء عمله لحماية مصالح موكله من جهة ولتجنيبه الوقوع في إشكالات قانونية لاحقا تشابه ما رأيناه على سبيل المثال في المرافعة النهائية وبناء على ما شاهدته في المرحلة النهائية من المسابقة أكاد أجزم أن لكل مشارك في هذه الجلسة مستقبلا واعدا وما هذه المشاركة إلا تحد من التحديات العملية والمهنية ولعلي أصفها أيضا بالعلمية الشيقة التي يمر بها المشاركون في بداية مشوارهم المهني وستكون لبنة تضاف إلى بنيان كيانهم المهني فتعزز متانته وفاعليته وأنا على يقين من أنهم سوف يتذكرونها في مستقبل حياتهم، ولا بد لي هنا من أن أؤكد أن النتيجة المعلنة لهذه المسابقة لا تعني أن فريقا كسب وآخر خسر لأن الواقع هو أن الجميع في هذه المسابقة فائز إذا نظرنا إلى هذه المسابقة على أن الهدف الأساس منها هو صقل المواهب، والتدرب على مهارات وقواعد التحكيم، ووضعها في موضع التنفيذ، في قضية تكاد تكون حقيقية، كما أؤكد للمشاركين جميعا، عن خبرات حقيقية مررت بها، أن مثل هذه الفرص هي التي تصنع المحكمين ومحامي التحكيم الناجحين، وعلى المستوى الشخصي، أشعر بالفخر والاعتزاز لأن هذه المسابقة هي الأولى، على مستوى الوطن العربي، ولأنها أطلقت من المملكة العربية السعودية، ويزداد فخري لأنها مبادرة من المركز السعودي للتحكيم التجاري، ولعلي، في هذه المناسبة أشكر، جزيل الشكر، المركز وإدارته لإطلاق هذه المبادرة والاهتمام بها، ومما يزيدني فخرا، أيضا، أن المسابقة أديرت من الرياض، وتمت متابعتها من مدن عربية أخرى، من قبل مهنيين متميزين، وشارك فيها طلبة متفوقون من أنحاء الوطن العربي. ويسعدني أن أقول، بكل ثقة، إنهم جميعا أكفاء، وأنهم يستحقون جزيل الشكر والتقدير، وخاصة القائمين على تنظيم وتنفيذ هذه المنافسة، الذين بدأ عملهم، كما ذكرت آنفا، منذ شهر أكتوبر من عام 2022م، ليتوج بما وصلنا إليه في المرافعة النهائية، ومن جانب آخر، أكثر قربا إلى وطني واعتزازي بأبنائه، كشفت لنا هذه المنافسات عما يتمتع به أبناء المجتمع السعودي من مهارات، وعن كفاءاتهم التي ربما لم نكن نعلم عنها شيئا، وهذا الأمر يدعونا لأن نقف وقفة جادة مساندة لهم، لنتخذ كل الإجراءات التي يمكن أن تدعم مسيرتهم العلمية، وتساعد على تنمية مهاراتهم، وتضعهم على الطريق الصحيحة علميا وعمليا، لأن النتيجة ستكون كتلك التي تحققت لمؤسسة «موهبة» التي عملت على تأهيل العديد من أبناء وبنات الوطن، وصقلت قدراتهم الإبداعية، بالتعاون مع جهات عدة في المملكة، فكانت حصيلة هذه الجهود المباركة الإنجاز الرائع، في المؤتمر الدولي للعلوم والهندسة لعام 2023م، الذي أشرت إليه في صدر مقالتي هذه، وأختم مقالتي هذه بتأكيد قناعتي الشخصية بأن هذه المنافسة قد نجحت نجاحا منقطع النظير، وهي بحق عمل مشرف جدير بالتنويه والتقدير، وبالإشادة من جميع النواحي، سواء التنظيمية أو المهنية والفنية، وكذلك من جانب الأداء المميز من جميع المشاركين. ولعل من أبرز ملامح نجاح هذه المسابقة هو نجاح المركز السعودي للتحكيم التجاري في جذب متنافسين من كل الدول العربية، دون استثناء، لتنافس شريف أظهروا فيه قدراتهم ومواهبهم، وكذلك وحدتهم الكبرى، ولا يفوتني، في الختام، أن أقدم أصدق التهاني للفرق الفائزة، بالمركز الأول من جامعة بير زيت من فلسطين، وبالمركز الثاني من جامعة الإسكندرية من مصر، وبالمركز الثالث من الجامعة الملكية من البحرين، بالإضافة إلى تهنئة المجموعة من المشاركين الذين حصلوا على جوائز نظير مذكراتهم ومرافعاتهم المتميزة. وإنني لأسأل الله، جل وعلا، للجميع، منظمين ومشاركين ومتابعين، التوفيق والنجاح، وآمل أن نلتقي في كل عام في رحاب هذه المسابقة التي أثبتت نجاحها، أطلت الحديث عن المسابقة لأنها حدث يستحق الفخر والاعتزاز، من جملة الأحداث التي شهدها وطني، خلال الأيام القليلة الماضية، والتي تبعث، جميعها أعمق مشاعر الفخر في النفس بهذا الوطن العزيز، الذي أدعو الله أن يحفظه، ويحفظ عليه قيادته الرشيدة، أيدها الله، وأسباب الأمن والرخاء والنهضة والنماء.