@DrAlghamdiMH
• في عالمنا العربي - خاصة الجاف وشبه الجاف - تركنا بيئتنا الهشة تواجه تحديات تنمية صناعية استثمارية لا ترى إلا بعين واحدة. تدهورت حالتها نتيجة لتحولات جذرية في أنماط حياتنا. رجَّحت كفة الجشع والطمع، على حساب التعايش المتوازن بين الإنسان وبيئته. أصبحت البيئة وحيدة بدون رفيق يهتم، ويرعى، ويحمي. تآكلت نظمها الطبيعية الهشة. كانت تعتمد على الإنسان. كان يعطيها فتعطيه، يحترمها فتحترمه، ويقف بجانبها فتقف بجانبه.
• في وضعنا ومع الطفرة الشهيرة لبلادنا، حفظها الله، ومنذ عام (1975م)، انسحبنا من حياة بيئتنا. أحدث ذلك جفاء لم تتحمله البيئة. تعاظمت عوامل التصحر. انقشع سحاب سماء كان يغطي ويسقي مناطقها المطيرة، ويغذي المياه الجوفية. كان الإهمال عقابا لا تستحقه البيئة. حتى المطر النادر أصبح يزيد من تصحرها سنة بعد أخرى. يجرف تربتها. يعري جذور نباتاتها. استفحل أمر تجاهلنا، وهجرنا، وبعدنا عن التفاعل معها. أيضا اشتد تجريف تربة مناطقنا المطيرة النادرة، واجتثاث أشجارها المعمرة، لصالح التنمية في غياب قوانين الحماية.
• باختصار أرجو ألا يكون مخلا بطقوس الفهم العربي. ألوّح به لتذكير الجميع. أصبح النفط أساس تأمين متطلبات حياتنا. نعمة نحمد الله عليها. قفزت بنشاطنا بعيدا عن البيئة. أجبرتنا على تجاهل نعمة بيئة طبيعية وقفت مساندة، شكّلت عوامل بقائنا عبر القرون. نقلة عظيمة حضارية حظينا بها، أنستنا حاجتنا إلى بيئتنا. ذهبنا بعيدًا ونحن نعيش حولها وفي حضنها. النتيجة الخادعة تؤكد عدم حاجتنا للبيئة ولمياه الأمطار شأنا وقيمة. لقمة عيشنا لم تعُد تعتمد عليهما. البعض لا يحس بمرارة هذه الحقيقة وقسوتها على البيئة.
• كنا نعيش حياة الشتات في تجمعات متعددة الانتماء والولاء، رغم صلابة جذعنا وشخوصنا التاريخية. ثم أصبحت لنا دولة عزيزة مسؤولة، جعلت لوجودنا قيمة بدون حدود. جمعت الشتات. وحّدت الانتماء والولاء. نفخر بأن جعلت من الجميع قوة وشأنًا. تحمّلت مشكورة قيادة كل ما يضمن بقاءنا أعزة كرامًا. وظيفتنا كبشر تغيّرت مع كيان المجد الجديد: (المملكة العربية السعودية). أيضًا تعدد مجال هذه الوظيفة واهتمامها. خبراتنا ومعلوماتنا تحدثت.
• لكن مع التغيير تطفو السلبيات بجانب الإيجابيات. هكذا عشنا الخير كله مع بزوغ فجر البترول. فتلاشت مهارات الاعتماد على المطر، ومهارات التعامل مع البيئة. انتهى شأن البيئة ودورها في حياتنا. طغى شأن المال وحساب الربح والخسارة. تجدد حمل العقول وأفكارها. تغيّرت مهارات الأيدي وطرق المعالجات. إمكانيات جاء بها البترول نقلتنا من مستوى حياة إلى أخرى نراها أفضل، بمتطلبات جديدة، واهتمامات أبعدتنا عن حياة الاعتماد على نزول المطر. لدرجة أننا وصلنا مرحلة لا نرى أي فارق بين نزول المطر وعدم نزوله. وصلنا حد الانزعاج من نزول المطر. كل شيء يأتي بثمن من الفقد والكسب.
• مع التغيير والنقلة الحضارية لم تعُد المسؤوليات البيئية ومتطلباتها تهم الفرد والجماعة. انتقلت المسؤوليات إلى جهات رسمية تشرف وتدير. أيضًا تغيّرت المسؤوليات ومستوياتها وتشعّبت. تلاشت المسؤولية المجتمعية تجاه نفسها والبيئة. أصبح المسؤول عن هذا الفرد بعد قيام الكيان وتجدد أنماط الحياة هو نفسه المسؤول عن الأشياء التي كانت تقع تحت مسؤولية الفرد والجماعة، كمتطلبات حياة. هنا تأتي فراسة الفكر وقوة حكمته لتفعيل التوازن المطلوب. وقد أكدتها رؤية 2030 العظيمة المنافع.
• في ظل التغيير وبسببه تعددت المسؤوليات واختلفت منابرها. جعلت للفرد وظيفة ومهمة جديدة في الحياة. كانت حياة الفرد تعتمد بشكل مباشر على مهاراته البيئية الشخصية المتوارثة. اليوم لم يعُد للبيئة أي دور في بقائنا أحياء. لم يعُد للمطر أي أهمية وتأثير مباشر في حياتنا. نزل أم لم ينزل. أصبحنا نطلق على هذه النقلة اسم (التّقدُّم). ويستمر المقال بعنوان آخر.