إن مدخلنا للرقمنة من وجهة نظري هو «المصارف الرقمية» بكل جدارة، لقد استطاعت هذه المؤسسات المالية المطورة أن تجعل الناس أكثر ثقة بها، ونجحت على الرغم من كونها مشاريع وأنشطة حديثة، ولا بد لها من سمعة لحصد الثقة ليقبل الناس على المخاطرة بالوثوق بها، ولكن كانت الأعوام الثلاثة الماضية اختبارًا دقيقًا، قد ساعدت كثيرًا بالطبع على ركوب الموجة وبالمجمل نالت الاستحسان.
وبعد التجربة، نسأل: هل تفضل أن تتعامل مع بنك تقليدي بشراكة متينة ومساهمين معروفين ورأس مال كبير، وسمعة موثوقة وفروع منتشرة وخدمات ومعاملات حية وأوراق رسمية؟ لإنجاز معاملة وطلب مالي يمكن أن توقع على عشرين ورقة بنفس التوقيع، لا تخطئ في واحدة، وإلا سيعاد تصوير الورق لتعيد التوقيع عليه من جديد، وبعد هذا العذاب الحذر قد تُرفض معاملتك. وإن انتهى ترخيص بطاقتك المصرفية، فستقف على طابور طويل قد تقضي النهار لتنتظر حتى تدفع رسوم البطاقة الجديدة، أو تنتظر لتصرف «شيكًا» في مكان مزدحم؟.
أم تفضل «مصرفًا رقميًا» لا يملك فرعًا واحدًا، وليس عليك أبدًا زيارته؛ لأنه وببساطة يقدم خدماته عبر الإنترنت؟ ويوفر كافة الخدمات والمساعدة عبر الهاتف، ويمكن إجراء جميع معاملاتك وأنت في مكان تحتاج فيه فقط إلى «النت»، بكل سهولة، ويمكن أن تتعامل عبر الإيميل لإتمامها، أو عبر اتصال قصير، وفي الغالب لا يلزمك ذلك، فأنت تدير معاملاتك من حسابك دون قيد عبر هاتفك، حتى قبل نومك بدقائق؟.
قبل العام 2020 كانت تسمى المصارف الرقمية مصارف مبتكرة، ولكنها اليوم تحمل اسم المصارف الجديدة على أنها مصارف رقمية ذات تقنية حديثة، لتعطي انطباعًا على قبول المجتمع؛ كونها الموجة الجديدة للسياسات النقدية، فحتى نسبة المخاطرة بها باتت أقل بكثير عن السابق. وفي السنوات القادمة سنشهد معدل تنافسية على المنتجات المالية الرقمية التي تقدمها، بعد أن صارت لها تشريعات وأحكام تؤطر مسار العمل وفقها، فالثقة بها تنبع من تعبيد الأرضية لها، وتشريع الأنظمة من المصارف المركزية التي تحيطها بالتزامات تحمي من خلالها حقوق العملاء.
بدأت المصارف الرقمية نواتها بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، على أنها المصارف التي تقدم حلولًا مالية مبتكرة، وحصلنا من هذه الحلول على صفحات إلكترونية، نستطيع من خلالها تصفح حساباتنا ودفع بعض التزاماتنا المالية للشركات التي تتشارك مع المصارف تلك الخدمات، وكان وقتها يوفر علينا جهدًا كبيرًا، وإن كان الأمر لا يشمل المعاملات المهمة، فقط تحويل بعض الأموال لأماكن محددة، والاطلاع على الحساب ومعاملاته، ولكنها كانت حلولًا جيدة، توفرها بعض المصارف، لذا كانت تعطي المصرف سمعة وثقة وتشجع الناس للانضمام إليه.
في الوقت الحالي تكاد تكون المصارف التقليدية متوقفة عن الابتكار، ولا تسعى لإرضاء عملائها بخدمات أكثر يسرًا وسهولةً وكأنها تضمن بقاءهم، إنها لم تستغنِ عن خدماتها التقليدية و«البيروقراطية الإدارية» ولا تسعى أبدًا لتغييرها لتكسب عملاء جددا أو تحافظ على مَن لديها.
@hana_maki00