مع التحوُّل الصحي، فإدارة الموارد البشرية والاستثمار في رأس المال البشري والحوكمة، هي من متطلبات تحقيق الرؤية الوطنية 2030.
لذا سأبدأ من «معاناة الأطباء في السعودية نتائج دراسات محلية « مقالة للدكتور فهد العصيمي نُشرت في عام 2018م، ذكر فيها تلخيصًا لدراساته، ومنها عملية صناعة الطبيب السعودي، والتي تبذل فيها الحكومة السعودية الغالي والنفيس.
الطب من المهن التي تحمل ضغوطًا عالية قد تتسبب للطبيب في آثار جسمانية أو نفسية، فأمريكا مثلا تخسر 400 طبيب سنويًا على الأقل بسبب الانتحار، حيث ترتفع نسبة الانتحار بين الأطباء، ومعظمهم من الإناث إلى خمسة أضعاف الانتحار عن المهن الأخرى، كما أن من المتوقع في عام 2030 أن يصل العجز في عدد الأطباء بأمريكا وحدها إلى مائة ألف، وأضعاف هذا الرقم يغادرون مهنة الطب مبكرًا، بينما يعاني نصف مَن بقي ممارسًا لمهنة الطب الاحتراق المهني.
الطبيب ثروة قومية نادرة في العالم وفي السعودية، حيث إنه رأس مال بشري عالي التكلفة من المنظور الاقتصادي، وطبيعة عمله تتطلب التخصصية، مقارنة بالكثير من المهن التي هي أيضًا مهمة، لكن لا تمر بمراحل التأهيل المتخصص، التي يصنع من خلالها الطبيب من قبل دخوله كلية الطب، وحتى حصوله على الشهادات العليا إلى التقاعد ليكون أداؤه بكفاءة وفعالية.
كما يحظى الطبيب بمزايا مالية متميزة، رغم تفاوتها، وإن توحد سلم الكادر الصحي، وبالمقارنة بعدد سنوات التأهيل وطبيعة العمل والمسؤوليات التي سيتحملها في العمل، ولكن هل هناك دراسات أو برامج، تعنى بالحفاظ على الموارد البشرية التي أهَّلتها الدولة، وتمكينها في المواقع المناسبة ليستفاد منها وفق مزاياها وتأهيلها؟
هيئة الرقابة والفساد كشفت عن وجود حالات من عدم اتساق المسمى الوظيفي لبعض الممارسين الصحيين، ومنهم الأطباء، ومع التصنيف الذي تمنحه الهيئة السعودية للتخصصات السعودية، وهذا ما يبين وجود ضعف الحوكمة في بعض المنشآت الصحية، والتي تتطلب الرقابة والمحاسبة، من خلال الالتزام بالتشريعات والأنظمة والسياسات والإجراءات، وهياكل تنظيمية يحدد فيها المسؤوليات والصلاحيات، استجابة لأركان الشفافية والمسؤولية والمساءلة والعدالة.
وللطبيب خصوصية، فكما يتحمّل الكثير من المسؤوليات، فما هي الصلاحيات الممنوحة له، وهل هي موائمة مع درجته العلمية وتصنيفه؟ وهل يحظى بتطوير مهني من قِبَل جهة العمل، وتدعمه إدارته في ذلك؟، وما هي الممكنات الوظيفية التي يحظى بها الطبيب للإيفاء بالتزامه؟.
سباهي (المركز السعودي لاعتماد المنشآت الصحية) ساهم بشكل ملموس وفعّال في تحسين إدارة جودة الخدمات الصحية، وإلزامية اعتمادها كانت لصالح المراجع ومقدم الخدمة، ولذلك نرى فروقات بعضها جذري في المنظومات الصحية، حتى بنفس الكيان بسبب القيادة والموارد وتطبيق الجودة.
سباهي بحرصه على سلامة المرضى من خلال إدارة الخدمات الصحية، ومنها سلامة المنشأة للمراجعين ومقدمي الخدمة، جعل القيادة الصحية بما فيها إدارة الموارد البشرية من الأوليات في التقييم، مع تقييم الممكنات للعمل، مثل وضوح السياسات والإجراءات وتعميمها، والأوصاف الوظيفية التي تحدد المسؤوليات والصلاحيات، وآلية التعامل مع شكاوى المستفيدين بحلها جذريًا من خلال بيئة عمل آمنة.
للحفاظ على الطبيب السعودي فإن المنظومة الإدارية والقيادة الصحية هي الأساس وفق مبادئ الجودة والحوكمة، فحتى الدراسات المحلية بينت أن الضغوط التي يتعرض لها الطبيب إداريًا، والأعباء غير الإكلينيكية هي الأكثر التي تشغل الطبيب عن ممارسة مهامه الإكلينيكية، والتي تجعل الكثير من الأطباء ممن شملتهم الدراسة بقرابة الثلثين يفكرون في تغيير المنشأة الصحية، أو التفكير بالعمل خارج المملكة أو التوجه لعمل إداري غير إكلينيكي، وكل ذلك لا يصب في مصلحة الوطن، حين يخسر استثماره في أبنائه وبناته، بسبب تحديات يمكن معالجتها، وتوجد الأدوات لذلك ما دامت هناك إرادة للتطوير.