دشن المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود، تاريخ عهده المجيد في حكم المملكة العربية السعودية في الاهتمام بالحرمين الشريفين والعناية بضيوف الرحمن، فما أن فرغ ـ رحمه الله ـ من توحيد البلاد والعباد على كتاب الله وسنة رسوله، بدأ إصلاحات كبرى تمثلت في تطوير مباني المسجد الحرام القائمة وإصلاحها، إضافة إلى إصلاح سقف المسعى وتطويره.
ومع تزايد أعداد الحجاج عامًا بعد عام، رأى الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الحاجة لعمل "رواق سعودي" بُحلة جديدة وتوسعة حديثة في المسجد الحرام، بحيث تكون خلف الرواق العباسي، علمًا بأن الرواق السعودي جاء ليكمل عقد الرواق العباسي الذي بناه محمد المهدي بين عامي 161-169هـ / 778- 785م والذي بقي صامدًا.
1200 عام من الترميم والتجديد
يمثل بناء المسجد الحرام لما يقرب من 1200 عام جرت خلالها بعض الترميمات والتجديد لمباني المسجد الحرام ولكن عناصر المسجد ومواده ومساحته استمرت كما هي ولم تتغير.
ويقصد بالرواق في العمارة الإسلامية هو، المساحة أو الممر الواقعة بين عامودين، وتحتوي على عقود عامودية أو موازية لجدار القبلة، كما تحتوي على صفوف من الأعمدة، وقد تكون هذه العقود متقاطعة أي تتجه بشكل موازي وعامودي باتجاه القبلة، كما أن الرواق يقصد به في اللغة ما أحاط بالشيء، فالرواق العباسي يحيط بالكعبة المشرفة، والرواق السعودي يحيط بالرواق العباسي.
وبحسب وكيل الرئيس العام للمشاريع والدراسات الهندسية المهندس محمد الوقداني، فإن الملك المؤسس ـ طيب الله ثراه ـ أمر في العام 1344 هـ بالإصلاحات والترميم في المسجد الحرام، والبدء للتخطيط للتوسعة ومعرفة الحاجة للمساحات التي سيتم استخدامها لـ"الرواق السعودي".
عناية سعودية فائقة على مدار التاريخ
شدد المهندس الوقداني، على أن المسجد الحرام لقي العناية والرعاية الفائقة من الدولة السعودية على مدار تاريخها المجيد، والتي تمثلت في المشروعات الضخمة والتوسعات الكبرى التي قامت بها الدولة على مر السنين منذ عصر الدولة السعودية الأولى، وصولًا إلى عهد الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن -رحمه الله- وأبنائه البررة من بعده، حتى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ال سعود -حفظه الله- ففي عهده - أيده الله- وخلال فترة وجيزة، حدثت تحولات ونقلات نوعية معمارية كبرى للمسجد الحرام، تمثلت في توسعات عملاقة، إذ تعد المباني التي جرى إنشاؤها من أكبر المباني على مستوى العالم من حيث الحجم والمساحة والطاقة الاستيعابية والعناصر المعمارية المكتملة والخدمات المساندة، والتي من ضمنها "الرواق السعودي" إضافة إلى الخدمات المتطورة المساندة والتقنيات الحديثة التي تم إدخالها في المسجد الحرام والتي سهلت على ضيوف الرحمن أداء مناسكهم.
وأوضح وكيل الرئيس العام للمشاريع والدراسات الهندسية، أن العمل بدأ فعليًا على الرواق السعودي في عهد الملك سعود ـ رحمه الله ـ في العام 1375هـ 1955م، الذي أعلن في بيان تاريخي عن تحقيق رغبة الملك عبد العزيز بالبدء بتوسعة المسجد الحرام، واستمر بناء الرواق في عهد الملك سعود والملك فيصل والملك خالد -رحمهم الله- بين عامي (1375 /1396هـ -1955 / 1976م)، كما استمر تطويره حتى وقتنا الحاضر.
4 أدوار للرواق السعودي
أفاد الوقداني، بأن الرواق السعودي بشكله الجديد يعد استكمالًا لعقد الرواق العباسي، ويتكون من 4 أدوار (دور الصحن، والدور الأرضي, والدور الأول و"الميزانين") ويمتد من الناحية الغربية حينما أمر الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله بإضافة جديدة للرواق السعودي، مضيفًا أن عدد الأعمدة في هذه التوسعة بلغ حوالي 1500 عمود مكسو بالرخام الأبيض إضافة إلى عدد من القباب على سطح الأروقة.
وأشار إلى أنه في عهد الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - أصبحت مساحة المسجد الحرام حوالي 365 ألف مترمربع والطاقة الاستيعابية حوالي مليون مصل، وتضمن الرواق السعودي بعد هذا الامتداد بابًا جديدًا وهو باب الملك فهد، وامتدت مساحة الرواق السعودي من الجهة الشمالية، بإضافة جديدة بدأت في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، واكتملت في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، إذ أصبحت مساحة المسجد الحرام حوالي مليون متر مربع، بطاقة استيعابية حوالي مليوني مصل، وتضمن عدد كبير من الأعمدة وباب يحمل اسم باب الملك عبد الله بن عبد العزيز.
مضاعفة الطاقة الاستيعابية
تابع: على مدار الأعوام السابقة أكمل ملوك المملكة العربية السعودية بناء الرواق السعودي، الذي حول مساحة المسجد الحرام من حوالي 12 ألف متر مربع إلى أكثر من مليون متر مربع، وارتفعت الطاقة الاستيعابية أضعافًا مضاعفة مما كان عليه في السابق.
وعد المهندس محمد الوقداني، الرواق السعودي مفخرة من مفاخر المملكة العربية السعودية على مر الأزمان، ومن مآثر العمارة السعودية للمسجد الحرام، وأصبح يمثل هوية خاصة بالمسجد لا تزال باقية حتى اليوم، لتُرسخ اهتمام قادة الدولة السعودية بعمارة الحرمين الشريفين منذ الدولة السعودية الأولى، مرورًا بالملك عبد العزيز وأبنائه الملوك البررة من بعده، الذين انصب اهتمامهم على عمارة الحرمين الشريفين بشكل لم يشهده التاريخ الإسلامي من قبل.
الرواق أيقونة في مكة المكرمة
وأردف: كما أن الرواق السعودي أيقونة بناء لم تشهدها مدينة مكة المكرمة من قبل، ولا المسجد الحرام إذ اهتمت حكومات المملكة المتعاقبة بأن يكون بناء المسجد من أفضل التصاميم وأن تستخدم فيه أفضل المواد فأتى أعجوبة معمارية في العمارة والبناء وقد أنير الرواق بثريات خاصة وأعمدة ملبسة بالرخام وألوان زاهية في السقف. كما تم دعمه برخام من ألوان مختلفة، كما تم تبليط الرواق العباسي وربطه به، مبيّنا أن الرواق السعودي أصبح يضم عدد من البوابات أشهرها باب الملك عبد العزيز وباب العمرة وباب الفتح.