صادف الثامن عشر من هذا الشهر اليوم العالمي للمتاحف، ولو لم يسمع به الكثير منا في نشرات الأخبار لما عرفنا بوجوده. إن تخصيص يوم ما في العام لمناسبة بعينها، يعني أهمية هذه المناسبة وضرورة الاهتمام بها.
ومن اسمه، المتحف لغة ما أتحف من الفاكهة أو الرياحين أو الطيب، وهو بهذا المعنى أولى بأن يكون على رأس أولويات السياحة لدينا. غير أننا ونحن نعيش تدشين السياحة كنشاط اقتصادي وثقافي هام، وفي خضم رؤية 2030 التي تعتبر السياحة أحد أقطابها، يتساءل المرء أين هي المتاحف من اهتمامات السياحة لدينا؟. وإذا ما استثنينا المتحف الوطني ودارة الملك عبدالعزيز، المقابلين لبعضهما في قلب العاصمة، فإن المتاحف (كما يجب أن يكون المتحف بناء مستقلًا وأيقونة معمارية) تعد على أصابع اليد الواحدة على أحسن تقدير، ومن هنا ندرك مدى فداحة الخلل في هذا الجانب المفصلي من السياحة.
وفي كل دول العالم، فإن المتحف هو ترمومتر الوعي السياحي صناعة وسلوكًا واقتصادًا أيضا. تتصدر متاحف كل من اللوفر في باريس، فكتوريا وألبرت ومتحف التاريخ الطبيعي في لندن، متحف الهيرمتاج في سانت بطرسبورغ في روسيا، متحف الفن المعاصر في لوس أنجلس على سبيل المثال لا الحصر، قائمة الأهداف السياحية لكل من ينوي زيارة هذه المدن. وربما غلبت شهرة المتحف على مدينته.
ومن المعروف أن كل نوع من الأبنية يعكس وراءه ثقافة متأصلة، فمتى وجد هذا البناء وجد نشاط ثقافي استلزم بناءه، وفي غياب البناء يعني انتفاء النشاط، وهذا يعني سلفا غياب الاهتمام بالجوانب الثقافية لدينا، وما أكثرها، التي تبنى المتاحف من أجلها. فالمتحف هو المنصة التي يعبر عن طريقها المجتمع بحضارته، بثقافته، بمخزونه وإرثه الحضاري، وقبل هذا وذاك بوعيه كمجتمع ودولة.
تتنوع المتاحف حسب ما تحتويه وما تعرضه، فهناك متاحف تعرض تاريخ البلد، وما مر به من حروب أو أحداث تاريخية هامة في تكونه، وهناك متاحف تختص فقط بالجوانب البيئية أو الطبيعية للبلد، وهناك متاحف تهتم بالمقتنيات الحضارية لدى الناس، وهناك متاحف للعلوم بكافة فروعها، وهناك متاحف للفن باختلاف صوره، ومتاحف للفضاء، ومتاحف للمخطوطات، وهكذا.
ومع ازدياد الوعي في الآونة الأخيرة بالتراث الثقافي، فقد عمد الكثير من الناس إلى اقتناء ما تم الحفاظ عليه من إرث حضاري مادي ومقتنيات، وعرضها إما في أبنية تقليدية، أو في صالات عرض بجهود فردية بحتة. وعلى أهمية هذا التوجه وقيمته الحضارية، وبالرغم من أهمية هذه المقتنيات وقيمتها، إلا أن كثرتها وتشابهها في الوقت ذاته، وتواضع الأبنية التي تحتويها، والسياقات الحضرية التي تبنى فيها، يقلل من قيمتها ومن إقبال السياح عليها.
المملكة بلد شاسع ومتنوع بيئيًا وثقافيًا، وربما كان هذا التنوع لمختلف أقاليم المملكة مدخلًا مهمًا لبناء متاحف، تأخذ من هذا البعد الجغرافي بأبعاده البيئية والثقافية منطلقًا لبناء منظومة متكاملة من المتاحف عمارة وسياحة وإدارة. المتحف أكثر من مجرد بناء يحوي بداخله مقتنيات للعرض. فكما أن المتحف رسالة ثقافية على مستوى عال فإنه -أو هكذا يجب أن يكون- تحفة معمارية. وفي حقيقة الأمر فإن معظم متاحف العالم أيقونات معمارية، وربما فاقت عمارة المتحف أهمية مقتنياته. المتحف هو بناء مؤسسي يعكس دولة، لا مجرد أبنية تقليدية أو مخازن للعرض. المتحف واجهة حضارية للبلاد، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
في القول المأثور «الدعاء مخ العبادة». وكما أن لا تعليم بلا مدارس، ولا طبابة بلا مستشفيات، ولا صناعة بلا مصانع، فإنه لا سياحة بلا متاحف فـ «المتحف مخ السياحة».
أستاذ العمارة والفن بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل