رُوي عن الأصمعي قوله: إن فتاة قبيحة قالت لأمها: يا أماه، ما بال الناس «يتفلون» علي؟! فقالت الأم: من حُسنك يعوذونك من الحسد!
لاحظوا كيف هذه الأم بلباقتها، حورت وغيرت فكرة العقدة النفسية، التي كان من الممكن أن تتعرض لها البنت، وحولتها إلى معنى إيجابي آخر.
التحطيم النفسي وتعيير الآخرين عادة سلوكية ممجوجة... تبدأ هذه العادة من الأسرة من الوالدين والإخوة، وتتوسع إلى الحي والمدرسة.
«العِيارة» التي تحمل في طياتها التحطيم؛ لقب يرتبط بشخص يحمل صفة شاذة أو مر بموقف غريب، وقد نهى الإسلام عنها، قال تعالى: «وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ»، والتنابز: مناداة الشخص بغير اسمه، ومن حق الشخص على الآخرين، ألاَّ يُساء له بقول أو فعل.
تصور وضع طفل يعيش بين أسرة ينادونه «أبو راس»!
كيف يواجه واحد مجتمعه، وأهله في البيت يسمونه «الأطرم»؟!!
الناس يرجمون من أخطأ، ويسقطون من زل، ويحفظون المواقف السيئة، ولو مرت عليها السنوات، وتعاقبت عليها الليالي.. باختصار هناك ناس قد ينسون اسمك، لكن لا ينسون عثرتك.. وحينما تأتي السخرية من المحيطين والمقربين، يكون وقعها أشد..
التحطيم النفسي يا سادة قد يهدم طاقات.. والكلمة السلبية «تنسف» موهبة..
كم من كلمة أفسدت نفسًا زكية، وخربت عقلًا ذكيًا..
رب جملة ساخرة زجت بأناس في سجون «الإهمال»، وجرفتهم إلى شواطئ «الضياع».
إذا رأيتم إنسانًا نبيهًا، فقولوا الحمد لله الذي نجاه من كلمات «التحطيم».
وصدق من قال: ليس العجب ممن هلك كيف هلك، ولكن العجب ممن نجا كيف نجا؟!
الأسرة الواعية هي من تحفظ أولادها من التحطيم.. وتشجعهم على تجاوز كل عثرة وصفة جالبة لسخرية الآخرين..
في قصة توماس أديسون.. لما عاد إلى البيت، وهو يشعر بالأسف، لأن المدرسة سلمته رسالة إلى والديه، فقرأتها أمه، وولدها يترقب محتوى الرسالة.. وعندما سألها، قالت: الأستاذ يقول لي: ابنك عبقري، وليس لدينا مدرسون يصلحون لتعليمه. قررت الأم أن تعلمه بنفسها، حتى صار «أديسون» ذاك المخترع الشهير.. بعد وفاة أمه وجد في تلك الرسالة، أن المدرسة تعتذر عن استمرار أديسون في التعليم لأنه غبي.. فكيف سيكون وضع أديسون لو أخبرته أمه بالحقيقة؟!
ومن تراثنا الإسلامي، كان القاضي «محمد بن عبد الرحمن الأوقص» قصيرًا دميمًا قبيحًا، قال عن نفسه: قالت لي أمي وكانت عاقلة: يا بني، إنك خُلِقْتَ خِلقة لا تصلح معها لمعاشرة الفتيان، ولن تكون في مجلس قوم إلا كنت المضحوك عليه المسخور منه، فعليك بالدين؛ فإنه يُتِمُّ النقيصةَ... فطلب «الأوقص» العلم وصار قاضيًا بمكة يرتعد بين يديه الخصوم.
الأولاد في هذه الأيام يحتاجون إلى أمهات عاقلات، يصنعن اللبنات الأولى لأولادهن.. ويحتاجون إلى أسر تحتويهم، وتعينهم على تجاوز عثراتهم.
* قفلة..
قال أبو البندري غفر الله له:
ويل له: يرى القذاة في عيون الناس، ولا يرى الجذع في عينيه!
ولكم تحياتي،،،
@alomary2008