التوازن في جميع جوانب وممارسات سوق العمل يعتبر الأساس لترقيته، والتحسينات على سوق العمل من خلال استخدام مبدأ التوازن هو الهدف الذي يتفق الجميع عليه، ومن خلال ذلك سنصل لتحقيق جميع مستهدفات سوق العمل التي تم الإعلان عنها بشكل واضح في رؤية المملكة وبرامجها.
تنظيم سقف أعلى للأجور في القطاع العام وشبه العام هو موضوع شائك، يثير العديد من الجدل والتساؤلات، وقبل ما يقارب الأقل من سنتين، كتبت مقالاً بعنوان «السقف الأعلى للأجور»، وطالبت في المقال بأهمية وجود تنظيمات جديدة توضح فيها السقف الأعلى للأجور والمزايا في القطاع العام وشبه العام، وذكرت فيه بأننا أمام ظاهرة غريبة في سوق العمل، أقرب للـ «التشوه»، وإذا لم يتم الالتفات لها سيكون الأمر معقداً في المستقبل.
الظاهرة تتلخص بأنه لدينا ثلاثة أقسام ومستويات للأجور والمزايا بفجوات غير منطقية «أجور ومزايا قطاع عام، أجور ومزايا عقود في قطاع عام وشبه عام، أجور ومزايا قطاع خاص»، وبتحليل أوسع نجد أن أجور ومزايا العقود في القطاع العام وشبه العام، التي يتم من خلالها استقطاب الكفاءات للعمل في القطاع العام أو شبه العام تتصدر المشهد بمعدلات مرتفعة جداً عن تقييم الأجور والمزايا المتعارف عليه في سوق العمل، وكوجهة نظر شخصية وصل البعض منها لمستويات «مبالغ فيها»، وذلك بسبب التدوير الواضح لمجموعة محددة على نفس المقاعد.
مختصو سوق العمل يتفقون على أن هذا التشوه انتشر بشكل سلبي في سوق العمل، ويتفقون على أن الأساس والتوجه الذي ينبغي العمل عليه اليوم هو تقليل الفجوات حتى نصل لمسار التوازن في سوق العمل، وحتى لا نصل لمرحلة معقدة غير صحية، نبحث من خلالها على حلول قابلة للتطبيق لتقليل الفجوات بين أجور ومزايا المشتغلين السعوديين في القطاعات المختلفة خاصة بعد التوجه لتطبيق الخصخصة.
في الأسبوع الماضي وفي خطوة مهمة منتظرة، تم الإعلان عن الموافقة على قواعد إقرار الأحكام المنظمة لشؤون العاملين في الأجهزة العامة وتعويضاتهم، ومن خلال ذلك سيتم مراجعة اللوائح الداخلية وحصر حالات العاملين أصحاب الأجور والمزايا المالية التي تتجاوز السقف الأعلى، بالإضافة لقائمة البدلات والمكافآت والمزايا المالية الأخرى، وبمعنى أوضح ستتم مراجعة سلم الأجور ومستويات المزايا بشكل تفصيلي، وإنفاذ القرار خلال مدة لا تتجاوز اثني عشر شهراً، وحسب قراءتي للمشهد سيعتبر ذلك هو البداية لتنظيم أجور ومزايا برنامج الكفاءات المتميزة بشكل خاص.
تنظيم وتحديد سقف أعلى للأجور في القطاع العام وشبه العام سيساهم في تحسين التوازن المالي والإنفاق العام، ولا يعني ذلك التقليل من جودة الخدمات المقدمة، ولا يعني التقليل من أداء الموظف، ولكن هذا التنظيم سيعيد التوازن المفقود في سوق العمل والذي بسببه تضرر القطاع الخاص بشكل كبير منه؛ بسبب عدم القدرة على منافسة أجور ومزايا العروض للعمل في القطاع العام وشبه العام.
ختاماً؛ تفضيل العمل بالقطاع العام وشبه العام على القطاع الخاص سيشهد تغييراً كبيرًا خلال السنوات المقبلة، فمَنْ كان يعتقد أن الوظيفة بالقطاع العام وشبه العام تعتبر أماناً وظيفياً عالياً واستقراراً أكثر مقارنة بالقطاع الخاص فقد تتغير نظرته بعد التأسيس والتخصيص وخلال فترة قريبة.