كانت أمي -رحمها الله- عندما تريد حثنا على مجاراة الناجحين تقول «ما ينقصكم شي عندكم اللي عندهم!) ولمزيد من الشرح تزيد عبارتها بتفصيل أكثر فتقول، عندهم يدين وعندكم يدين وعندهم عيون وعندكم عيون..» وتبدأ بسرد النعم المشتركة، وإمعاناً في التحفيز تقول: «هم استغلوا النعم وأنتم عطلتوها» وهذه المحاضرة التي كنا نتهامس عليها، فتبتسم لنا ونحن نقول «يا شباب بدت المحاضرة»!! نتمنى أن تعود اليوم ولو نصفها أو ربعها، حيث كانت كفيلة بأن توقظ النائم من غفلته وتحفز على الجد والعمل، بالأمس حضرت حفل إجلال لتخريج 414 حافظة من مختلف الأعمار، ومنهن من تجاوزت الخمسين عاماً حفظاً متقنا لـ30 جزءاً بكل متشابهاته وآياته وقصصه، وأنا أشاهد هذا المنظر المهيب تساءلت: ماذا ينقصني لأنضم لهذا الركب، بل وأنا أحدّث نفسي، وأستمع لحديث سيدتي أمي وكأنها أمامي، استيقظت فإذا بصاحبة السمو الأميرة عبير بنت فيصل راعية الحفل تقول خلال كلمتها: «كل يوم أتمنى أن أكون من حفظة كتاب الله، وأتمنى أن تدعوا لي أن أكون بينكن قريباً» وهذه الأمنية من الأميرة عبير كانت بمثابة التحفيز الجديد، فمَن لا يريد أن يحوي قلبه كتاب الله ويأنس ويطمئن به؟.
وخلال متابعتي مشاعر الحافظات وجدتُ منهن الموظفة والطبيبة، والأم والجدة، وغير الناطقة بالعربية، وصغيرات السن، ومن ذوات الإعاقة، وغير المتعلمة! بمعنى أن الكل يستطيع أن يحفظ، وأن يكون مع هذا الركب، إذا داس على زر الهمة!
ولأن لكل طريقته وما يناسبه في الحفظ، فمنهم من يحفظ بتكرار الاستماع أو الترديد، أو بالنظر في المصحف، أو مع مجموعة معينة، فقد هيأت جمعية تحفيظ القرآن الكريم بكافة مدارسها وحلقاتها أساليب الالتحاق، وسهّلتها بما يتناسب مع الجميع، فمنها ما يكون حضورًا، ومنها عن بُعد في الوقت الذي يناسب الراغب في الحفظ.
نسيت أن أقول لكم إن سيدتي أمي لم تتعلم القراءة أو الكتابة أو التجويد، لكنها حفظت ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم، وظلت تكررها كل عام في مدارس التحفيظ؛ فرحًا ورغبة في التثبيت، وكانت تتمنى لو كانت قارئة تمسك بالمصحف وتختمه ولو قراءة، وما زلنا نحتفظ بشهادات الحفظ، ونفخر بإنجازها وكثير من جاراتها كذلك.
وقد تصدرت مدارس التحفيظ في المملكة العربية السعودية، وحصدت المراكز الأولى في نتائج اختبارات القدرات التي أعلنها المركز الوطني للقياس. وجاءت في قائمة العشر الأوائل على مدار السنوات الماضية. والملاحظ أن الطالب الذي يحفظ القرآن يصبح فصيحاً في اللغة العربية وقوي الذاكرة ومطمئن النفس. وقد لاحظت قوة الإملاء والتعبير والخط لطالب التحفيظ (في كثير من الأحيان) نظراً لمتابعتهم خط المصحف وكلماته.
ولحفظ القرآن الكريم وترديده أثر كبير على قارئه وحافظه، فمن آياته يستقي الأدب والتهذيب والخلق الحسن، وفيه تقوى العزيمة، وتسمو النفس، وتبعث الراحة والرضا.
مبارك لكل حافظ وحافظة ومبارك لنا سعودية الخير وولاة أمرنا، الذين دعموا جمعيات تحفيظ القرآن الكريم والقطاع غير الربحي بشكل عام ومسابقات القرآن والتنافس عليه. وهيأت كل الظروف والسبل ولم يتبق إلا أن نبدأ؟
آية:
(إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً).