العظماء لهم أخطاؤهم، ولكن يجب ألا نحرص على البحث عن أخطائهم.
الآباء والأمهات عندهم نقاط ضعفهم، ولكن يجب ألا ينشغل الأبناء بالبحث عنها.
المربون لهم هنّاتهم، ولكن يكفيهم شرفاً ما يقدمونه من عطاء.
يقدم بعض رجال الأعمال الكثير من أجل الفقراء والمحتاجين، ثم يهاجمهم البعض ويقول كيف كسبوا؟ وكيف ربحوا؟
تذكرت السكوت عن الزلات التي يمكن السكوت عنها، وأنا أقرأ قصة جميلة من تاريخنا العظيم لخالد بن عبدالله القسري الوالي الأموي، تقول إنه ركب في يوم شديد البرد كثير الغيم، فتعرض له رجل في الطريق، فقال له: ناشدتك الله إلا ضربتُ عُنقي، فقال له: أكُفْرٌ بعد إيمان؟ قال: لا، قال: أفترغب عن طاعة الرحمن؟ قال: لا، قال: أفقتلتَ نفساً؟ قال: لا. قال: فما سبب ذلك؟ قال: لي خصم لَجوجٌ قد علق بي، ولزمني وقهرني، قال: من هو؟ قال: الفقر! قال: فَكم يكفيك لدفعه؟ قال: أربعة آلاف درهم، قال: إني مُمدَك بأربعة آلاف درهم. ثم قال خالد: يا غلام ادفع له أربعة آلاف درهم، والتفتَ وقال: هل ربح أحد في التجار كربحي اليوم؟! قالوا: وكيف ذلك؟ قال: عزمت على أن أعطي هذا الرجل ثلاثين ألف درهم، فلما طلب أربعة آلاف درهم وفّر علي ستة وعشرين ألف درهم. فلما سمع الرجل ذلك منه قال: حاشاك وأعيذك بالله أن تربح على مؤمّلك، فقال: يا غلام أعطه ثلاثين ألفاً، ثم قال للرجل: اقبض المال، واذهب آمناً إلى خصمك، ومتى رجع يعارضك فاستنجدْ بنا عليه!
في هذه القصة – كما هو تاريخنا- الكثير والكثير، أعلاها سير العظماء ومكارمهم، وليس أدناها من يعانون من الخصم اللجوج الذي يلازم ويُتعب ويقهر، وهذا أمر يجب أن نتنبه له على المستوى الفردي والعائلي والقبلي والمؤسسي، فالتحديات كثيرة، والكرام والمكارم كُثر، وقبل ذلك فالله الرازق وهو أرحم الراحمين «جل جلاله»، ويظل مع كل عسر يسر.
ورد عن الإمام مالك قوله: بلغني عن القاسم بن محمد كلمة أعجبتني، وذاك أنه قال: من الرجال رجال لا تذكر عيوبهم، وقال الإمام عبدالله بن المبارك «رحمه الله»: إذا غلبت محاسن الرجل على مساوئه لم تذكر المساوئ، وإذا غلبت المساوئ عن المحاسن لم تذكر المحاسن.
دعوا العظماء يقدموا، دعوا المنتجين يبدعوا؛ فوجودهم خير وبركة.