قال الباحث في الفلسفة أحمد المدلوح إن فلسفة التاريخ تعتبر هي الطريقة لدراستنا للتاريخ ومساءلة المخيلة التاريخية التي ننظر بها للماضي وحتى الحاضر أو المستقبل.
جاء ذلك في محاضرة أقامتها جمعية الفلسفة السعودية بعنوان: (التاريخ: مقدمة فلسفية)، أدارها علي النجعي.
تساؤلات خارطة الطريق
بدأ المدلوح المحاضرة بتساؤلات عدة: هل للتاريخ فلسفة؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فما هي فلسفة التاريخ؟ هل هي فلسفة الماضي؟ أم فلسفة الحاضر؟ هل هناك تاريخ واحد؟ أم تواريخ متعددة؟ هل هناك فلسفة تاريخ أم فلسفات متعددة للتاريخ؟ لماذا يأخذ التاريخ حيزاً من اهتماماتنا؟ وهل للتاريخ تأثير علينا وعلى حيواتنا؟ هل علم التاريخ فعلاً معني بالتاريخ بما هو تاريخ؟ أم هو تاريخ كائن واحد فيه وهو الكائن البشري؟
وبالتالي، هل دراسة التاريخ معنية بالأحداث التاريخية فعلاً أم بالأفكار التي صنعت تاريخ الإنسان؟ ماهو دور الصراعات في صناعة التاريخ؟ وهل العالم المادي هو المادة الخام التي يحدث من خلالها التغيير على مدى التاريخ؟ هل هناك شيء أسمه علم التاريخ؟ وهل يمكن دراسة التاريخ بطريقة علمية؟
وأخيراً، ماذا لو لم يكن للتاريخ علاقة متأصلة بالحاضر؟ ماذا لو لم تكن فيه أو منه أيّة دروس لنا؟ أو ماذا لو لم تكن له عواقب حتمية؟ وإذا لم تكن هناك غائية من التاريخ فما هي قيمة دراسة التاريخ على كل حال؟ ولماذا ينبغي لنا أن نشغل أنفسنا بماضي غابر؟
وأوضح المدلوح: "تشكل هذه التساؤلات خارطة الطريق التي سأعتمدها في كتابة هذه الورقة كمقدمة فلسفية للتاريخ".
العمل على إحداث تغيير
سلط المدلوح الضوء من خلال القسم الأول في ورقته التي قرأها على النظريات الديالكتيكية للفيلسوفين فريدريك هيجل وكارل ماركس في فلسفة التاريخ، وكيف تأثر ماركس بهيجل على المستويين النظري والعلمي.
كما تطرق بنظرة نقدية لرؤية هيجل بصدد أفريقيا والتي اعتبرها خارج التاريخ، مستخدما العدسة النقدية لمساءلة فلاسفة التاريخ في تحيزهم ضد النظريات النسوية التي حاولت تقديم تحليل مختلف للتاريخ وكذلك العمل على إحداث تغيير لمجرى التاريخ اجتماعيا وفكريًا.
تأثير نظرية دارون
في القسم الثاني من وقته، قارب المدلوح من زاوية داروينية، حيث ناقش رؤية العقيدة التطورية للتاريخ باعتباره علماً وقابل هذه الرؤية بمقاربة أن العلم نفسه فكرة تم إنشاؤها تاريخياً.
وأوضح تأثير نظرية دارون في الانتقاء الطبيعي في فهمنا للتاريخ والعالم الطبيعي ومكانة الإنسان في هذا العالم.
ومن جهة أخرى، أوضح الاستخدام السيء والخطير للنظرية من قبل الفلاسفة والمنظرين، والذي قاموا بتحويل هذه النظرية العلمية إلى عقيدة أدت لنتائج كارثية في فلسفة التاريخ.
وضرب أمثلة من التحليل والنقد ما كتبه كل من الفيلسوف الإنجليزي هربرت سبنسر والمفكر النمساوي سيجموند فرويد وبعض الكتابات المعاصرة التي تعتبر التقدم أمر حتمي، مستندة إلى فهم غير دقيق لنظرية داروين.
تساؤلات عميقة في فهم التاريخ
في القسم الثالث والأخير من ورقته قدم المدلوح فلسفة تاريخية وهي "التاريخ باعتباره لا تاريخ"، وسنكون هنا بحضرة أهم فيلسوف مؤرخ في القرن العشرين وهو الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، الذي أثار تساؤلات عميقة حول فهمنا للتاريخ، حيث يعتبره فوكو "ساحة لعب"، playground)).
ويخالف فوكو كل من سبقه من المؤرخين باعتراضه على مبدأ أساسي في فهم التاريخ، وهو التحقيب.
فبدلاً من قراءة التاريخ كحقب زمنية وقرون، علينا كما يجادل فوكو، أن نفراؤه كظواهر متشرذمة، مستخدماً منهجية بحث أسماها الحفريات.
ويذهب بعيداً في تصوره التاريخي ليرفض فكرة التقدم التاريخي، وبالتالي فهو لا يرفض فحسب فكرة أن التاريخ خط زمني خطي كما طرحها ماركس، أو خط زمني لولبي كما طرحها هيجل، بل يرفض فكرة الزمن بحد ذاتها، أي لا يوجد شيء اسمه زمن، بل أننا نسقط تجربتنا البشرية للزمن على السرد التاريخي.