لا شك في أن للشهرة بريقًا يخطف الأبصار، ويغري بالسعي الحثيث نحوها، لا سيما أنها صارت طريقًا سهلاً ممهدًا لحياة تتسم بالثراء والبذخ والهدايا والسفر والعروض... وغير ذلك من مظاهر الترف والرفاهية.
ولم يعد الناس بحاجة للتلصُّصِ على حياة الآخرين، بل إنَّ منصات التواصل الاجتماعي أصبحت نوافذ يُشْبِع الناسُ من خلالها فضولهم دون عناءٍ، لمعرفة أدقّ التفاصيل اليومية للمشاهير، الذين دفعهم السباق المحموم للمزيد من المتابعين إلى هتك أستار خصوصياتهم.
ولا يخفى على عاقل أن هؤلاء المشاهير أصبحوا يقتاتون على كثرة المتابعين. ويرفلون في رغد العيش من خلال اللعب على وتر إشباع رغبات أولئك المتابعين وفضولهم. بينما ليس لهؤلاء المتابعين من حياة البذخ والسفر والعيش الرغيد والهدايا، وما إلى ذلك إلا المشاهدة من خلف الشاشات، كجائعٍ ينظر من خلال نافذة مطعم، فيرى الناس يأكلون أطايب الطعام ويتجاذبون أطراف الحديث ويقهقهون، وهو يكابد الجوع ومرارة الحاجة.
هذا البريق أغرى كثيرين بالتنازل عن خصوصياتهم ورزانتهم وممارسة «الهبال»، أو المجاهرة بأفعال تدخل في دائرة «المحرمات الشرعية» دون مبالاة، أو طرح الآراء الصادمة للمجتمع أو القيام بتصرفاتٍ مستفزة، بُغية أن تُسلّط عليهم الأضواء ويصبحوا «ترندًا»، وتزداد أرقام المتابعين، مما يعني إمكانية دخولهم عالم الإعلانات وتدفق «الكاش» في أيديهم.
ولكنْ ثَمَّ سؤالٌ يُطِلُّ برأسه ويلحُّ في البحث عن إجابةٍ عنه، وهو: ما الذي سيبقى بعد كل هذا الجنون؟
حتمًا ستذهب الشهرة يومًا ما، ويخبو وهج هؤلاء المشاهير، لتبقى السُّمعَة السيئة وما حفظته سجلات الإنترنت من كتابات أو مقاطع قد تطارد الأبناءَ ويتأفَّفُ منها الأحفاد.
ناهيك عن الآثام المترتبة عن تلك الأفعال، والمجاهرة بها أمام الآلاف من المشاهدين، ووِزر مَن اقتدى بهم وتبنّى آراءهم وعمل بها.
في رأيي الشخصي، إنَّ قيمة المشاركة في وسائل التواصل الاجتماعي مرتبطة بما تتركه من أثر إيجابي على صاحبها، وعلى متابعيه، ولو كانوا قلة لا يتجاوزون المائة، والقيمة التي يضيفها في هذه المنصة أو تلك.
إننا نكبد أنفسنا عناءً نحن في غنى عنه بمتابعة التافهين من المشاهير، حيث يُسهم ذلك، دون وعيٍ منا، في ازدراء نِعَمِ الله علينا ورفع سقف رغباتنا، مما يثقل كاهلنا، ويجعلنا في نهمٍ متزايد نحو حياةٍ مرفّهة أو ثراءٍ سريع دون تعب أو جهد.
ربما لا نملك أنا وأنت القدرة على تنظيف منصات التواصل الاجتماعي من «القاذورات» التي يرميها هذا المشهور، وتلك «الفاشينستا»، الذين يتعمّدون استفزازنا بآرائهم، ومقاطعهم المصورة، في تحدٍّ سافر لقِيَم المجتمع وعاداته الكريمة.
ولكننا نملك أداة فاعلة في التقليل من آثارهم السلبية، وهي تهميشهم وعدم تسليط الضوء عليهم وإلغاء متابعتهم، خصوصًا أولئك الذين يحاربون القيم ويهدمون الأخلاق، ولا يضيفون شيئًا لمتابعيهم إلا الاستعراض بالـ «براندات»، واستغلال حساباتهم في تسويق المنتجات.