قرأت ذات مرة من أحد أطباء الأسرة أن أكثر من نصف سلوكياتنا اليومية هي سلوكيات روتينية أي مكررة، يعني أن ما تفعله يوميا بشكل جديد هو أقل بكثير مما تفعله بشكل متكرر، وقد يكون هذا مقبولا إلى حد ما، نتيجة طبيعة الحياة التي في الغالب تتطلب التكرار كالذهاب إلى العمل والمدرسة وخلافه. إلى هنا أرى أن الكلام بشكل عام منطقي، الغريب أن الكثيرين يمزجون بين الروتين والملل، وهذه الخلطة من كيسهم، فيعتقدون أن أي شيء مكرر هو بالضرورة ممل والعكس صحيح في نظرهم، فإن تخرج من منزلك كل صباح وتقف عند الإشارة المرورية فهذا يقتضي أن تكون عابس الوجه تحدق بنظراتك المخيفة كل من يقفون بجانبك، لا أعلم أصل هذا الاعتقاد البائس، فلو سألتهم عن فوائد الروتين والتكرار لقالوا مريح راسك، تسوي مثل أمس ولا تشغل نفسك بتفكير وعمل جديد. أليس من الأولى أن تحمد الله على كل صباح أنت فيه بصحة وعافية وغير ذلك من النعم، ثانيا أنت مجبر بالذهاب إلى عملك أو مدرستك، وبالتالي لا تملك خيارا آخر وعليه في أسوأ الظروف وبما أنك مجبر فافعل ذلك بهدوء وبسعادة فالعبوس لن يقصر مسافة الطريق، ولن يقلل الازدحام، ولن ينجز العمل، بل بالعكس أن تزيل هذا العبوس والطاقة السلبية فسيكون إحساسك مختلفا، وتنظر للأمور بشكل أفضل، وقراراتك أفضل ومزاجيتك أفضل. سبحان الله استغرب من أناس يجلبون الشقاء لأنفسهم بأنفسهم، لا تحتاج رقما سريا لتكون سعيدا، اعلم أن الحياة هموم ومكابدة وطلب رزق وقائمة طويلة من الأمنيات، ولكن الله سبحانه يعلمها قبل أن نعلمها، وهو أعلم بوقت تحقيقها، فانعم بما أنت فيه، واعلم أن الخيرة من الله سبحانه، السعادة يظنها البعض فقط في المال، نعم المال مهم ومهم جدا، ولكنه ليس الأهم وليس وحده مهما، فالمال بدون أهل أو صحة أو راحة بال مثل عدمه، نعم مثل عدمه أكررها، فأن تستمتع بما لديك بأقصى حد ممكن لا يتطلب مالا، أن تحافظ على صحتك وتصل رحمك وتضحك مع عائلتك وأصدقائك لا يتطلب مالا، أن تستمتع بكوب قهوة أو شاي وأنت خالي البال مع نفسك بعيدا عن أي ضغوط فلا تحتاج إلى مال في ذلك، كل يوم أتأكد أكثر وأكثر أن السعادة قرارك أنت، فالأغنياء من الممكن أن يكونوا سعداء، وكذلك الطبقة الوسطى وكذلك الفقراء والعمالة والبسطاء، العامل الواحد المشترك بينهم أنهم قرروا أن يكونوا السعادة، فالحزن لم يخلق سعادة يوما.
وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل بإذن الله أودعكم قائلا (النيات الطيبة لا تخسر أبدا) في أمان الله.