فيما يخص النزاع المسلح على الأرض السودانية بين فصيلين سودانيين، لا تزال الأبواب للحوار واللقاء مفتوحة في جدة للأشقاء السودانيين، إذا ما تقدموا للأمام وأبدوا نوعا من المرونة لمناقشة القضايا الخلافية بأمل البحث عن حل، بمعنى أن الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية أكدا كطرفين راعيين، على إتاحة الفرصة من جديد إذا ما أبدى السودانيون رغبة حقيقية في ذلك، أمريكا والمملكة أبديتا خيبة أمل بتوقف المحادثات في جدة، وحذرتا من تطورات خطيرة تطل برأسها على السودان وعلى الإقليم. ومن الأمور التي قد تكون البديل الجاهز، والمؤلم لما يحدث في السودان الانخراط بشكل عملي في حالة من الاحتراب الأهلي، قد تكلف السودانيين الكثير. والغريب ومن خلال كثير من النقاشات مع أطراف إعلامية وصحفية وممن يسمون أنفسهم بالنخب في السودان كان هناك رفض للحديث عن شيء اسمه الاحتراب الأهلي بحجة أن أهل السودان أكثر وعيا من أن ينزلقوا إلى هذا المسار، وبحجة أن السودان وعبر قيادة الجيش قادر على تدمير الطرف الآخر، وإخراجه من كل المشاهد السياسية والعسكرية وحتى ساحات النفوذ بين السودانيين. رأيي كمختص وكمتابع ومراقب مستقل يختلف مع رأي بعض السودانيين في أن آثار الصراع المسلح ليس عملية انتقائية نأخذ منها ما نريد ونغفل الذي لا يتناسب مع أهوائنا، ونتائج الصراع المسلحة على المجتمعات البشرية ليست بالأماني، بل بالعمل وتقديم التضحيات والشجاعة في تجاوز الخلافات بالتنازلات المعقولة والممكنة، والتي يمكن أن تجنب البلاد والعباد الخسائر التي لا طائل من ورائها. وأرى من اللازم توضيح عدة نقاط عن مفهومنا للحرب الأهلية، وقبل ذلك أذكر فقط بأن السودان في تاريخه المعاصر شهد حربين أهليتين استمرت الأولى سبع عشرة سنة (١٩٥٥-١٩٧٢)، وكانت الثانية من ١٩٨٣ إلى ٢٠٠٥. أي أنها دامت لقرابة عقدين من الزمن. اليوم هناك شبح لحرب أهلية جديدة يخيم على السودان والحل متوقع لتجنبها من السودانيين أنفسهم ثم من دول الإقليم وأخيرا من المنظومة الأممية. وهنا يجدر بنا التعرف على النقاط الأبرز في مفهوم الحرب الأهلية، لنقول إن التعريف المبسط لمفهوم الحرب الأهلية هو أنها كل أشكال الصراع المسلح في مجتمع أو دولة واحدة على السلطة والنفوذ، وتتسم الحروب الأهلية بثلاث سمات بارزة هي العنف الشديد بين المتصارعين وإلحاق الضرر الكبير بالمدنيين والتدمير الشديد للبنية التحتية للبلاد. وغالبا ما تنشأ الحروب الأهلية لتباين الرؤى الاجتماعية أو الدينية أو السياسية بين المتحاربين. وخطورة الحروب والنزاعات الأهلية أنها تترك جروحا غائرة في بنية الدولة والمجتمع قد تمتد لسنوات.