جاء أعرابي إلى المسجد فبال في ناحية منه. فصاح به الصحابة مستنكرين. فقال لهم رسول الله «صلى الله عليه وسلم»: «اتركوه». فتركوه حتى بال، ثم أمر المصطفى بماء فصب عليه.
ثم دعاه الرسول وقال له: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله «عز وجل»، والصلاة، وقراءة القرآن».
وبحسب ما يقوله علماء السلوك، فإن انفعالات الفرد وسلوكياته تُبنى على حسب إدراكه للأشياء وأفكاره تجاهها. وكما نقل عن الفيلسوف الروماني إبيكتيتوس، قوله: «إن كل ما يحدث للناس من انفعال، ليس من جراء الأشياء، وإنما من جراء فكرهم عنها».
فهذا الأعرابي كان يعتقد أنه من الجائز التبول في المسجد. ولو علم بأن هذا الفعل لا يجوز، وأن الصحابة سيصيحون به، لما فعل ذلك.
وهذا ما فطن له رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، بحكمة المربي ووعي القائد، فحاول احتواء المشكلة ومعالجة آثارها بشكل عاجل وفعَّال. ثم ركز على تصحيح الفكرة الخاطئة التي دفعت الأعرابي ليقوم بفعلته؛ لأنه «صلى الله عليه وسلم» يدرك أن خلف كل تصرف توجد فكرة آمن بها صاحبها.
وفي هذا السياق، وعلى سبيل المثال، حين ترى شخصًا متهورًا، يقود سيارته بسرعة عالية في طريق مزدحم، ويتجاوز السيارات بطريقة متهورة، معرّضًا نفسه والآخرين للخطر، فتأكد أنه يحمل في رأسه فكرة زيّنت له سوء عمله.
وحين ترى امرأة تحفظ أسرار بيتها، وتقوم برعاية زوجها وأبنائها، دون التفات للمخببات أو الداعيات للنشوز في منصات التواصل الاجتماعي وغيرها، فتأكد أنها تحمل في رأسها فكرة، حصّنتها من الدعوات المشبوهة والممارسات المحرمة.
وذلك الزوج الذي قرر أن يتجسس على جوال زوجته، قد دفعته لذلك فكرة آمن بها، وقادته لسوء الظن بشريكة حياته.
والشاب المجتهد في دراسته، حين قرر أن يبتعد عن أصحاب السوء، ويترفع عن مواطن الشبهات، ويقدم على معالي الأمور، ويتحمّل المشقة في سبيل ذلك، فإنه جزمًا يحمل في رأسه فكرة أعانته على تجاوز تلك التحديات.
وهكذا، فكل سلوك تراه (بغض النظر أكان صائبا أو خاطئا)، تأكد أنه نابع من فكرة.
وهذه الأفكار والتصورات تتشكل غالبا نتيجة لما نسمعه ونقرؤه ونشاهده، ولما نمر به من التجارب، وما نكتنزه من انفعالات ومشاعر.
لذلك كان لزاما علينا مراقبة أفكارنا بوعي لنضمن سلامتها ونقاءها وإيجابيتها دائمًا.
وللسيد براين تريسي كتاب مفيد في هذا الباب، بعنوان «غير تفكيرك، غير حياتك». وخلاصته أن التغيير الذي تتمناه في أرض الواقع، لا بد أن يبدأ أولا في عقلك من خلال إعادة صياغة أفكارك.
وهذا هو جوهر ما يعرف اليوم بـ «العلاج المعرفي السلوكي» الذي يركز على تغيير طريقة التفكير لدى الشخص (الإدراك)، لتتغير تبعا لذلك مشاعره تجاه الأشياء أو المواقف (العاطفة)، وبالتالي تتغير استجابته وردات فعله (السلوك) لتكون أكثر نضجا ورقيا.